كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
حال الشمس من بطء السير وحال القمر من سرعته ولم يقل ولا القمر سابق الشمس ليؤذن على ما قال الطيبي بالتعاقب بين الليل والنهار وبنصوصية التدبير على المعاقبة فإنه مستفاد من الحركة اليومية التي مدار تصرف كل منهما عليها وفي الكشف التحقيق أن المقصود بيان معاقبة كل من الشمس والقمر في ترتب الإضاءة وسلطانه على الإستقلال وكذلك اختلاف الليل والنهار فقيل : ولا الليل سابق النهار كناية عن سبق آيته آيته فحصل الدلالة على الإختلاف أيضا إدماجا لأنها لا تنافي إرادة الحقيقة وجاء من ضرورة التقابل هذا المعنى في النهار أيضا من قوله تعالى : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولما ذكر مع الشمس الإدراك المؤذن بأنها طالبة للحاق قيل لا ينبغي رعاية للمناسبة وجيء بالفعل المؤذن بالتجدد ولما نفي السبق في المقابل أكد ذلك بأن جيء بالجملة الإسمية المحضة من دون الإبتغاء لأنه مطلوب اللحوق أه
ولم يذكر السر في إدخال حرف النفي على الشمس دون الفعل المؤذن بصفتها ويوشك أن يكون أخفى من السها وكان ذلك ليستشعر منه في المقام الخطابي أن الشمس إذا خليت وذاتها تكون معدومة كما هو شأن سائر الممكنات وإنما يحصل لها ما يحصل من علته التي هي عبارة عن تعلق قدرته تعالى به على وفق إرادته سبحانه الكاملة التي لا يأبى عنها من أشياء عالم الإمكان ويفيد ذلك في غاية كونها مسخرة في قبضة تصرفه عز و جل لا شيء فوق تلك المسخرية وفيه تأكيد لما يفيده قوله تعالى ذلك تقدير العزيز العليم ورد بليغ لمن إليها يسند التأثير
وجوز أن يكون ذلك لإفادة كونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها من حيث تقديم المسند إليه على الفعل وجعله بعد حرف النفي نحو ما أنا قلت هذا وما زيد سعى في حاجتك يفيد التخصيص أي ما أنا قلت هذا بل غيري وما زيد سعى في حاجتك بل غيره على ما حققه علماء البلاغة والمقصود من نفي تسهيل إدراك القمر في سلطانه عن الشمس نفي أن يتسهل لها أن تطمس نوره وتذهب سلطانه ويرجع ذلك إلى نفي قدرتها على الطمس وإذهاب السلطان فيكون المعنى بناء على قاعدة التقديم أن الشمس لا تقدر على ذلك بل غيرها يقدر عليه وهو الله عز و جل وهذا بعد إثبات الجريان لها بتقدير العزيز العليم مشعر بكونها مسخرة لا يتسهل لها إلا ما أريد بها
وقال بعض الفضلاء فيما كتبه على هامش تفسير البيضاوي عند قوله : وإيلاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها وجه الدلالة أن الإيلاء المذكور يفيد التخصيص والإبتغاء بمعنى الصحة والتسهيل المساوقين للإقتدار فيفيد الكلام أن الشمس ليس لها قدرة على إدراك القمر وسرعة المسير التي هي ضد لحركتها الخاصة بل القدرة عليهما لله سبحانه فهو فاعل لحركتها حقيقة ولها مجرد المحلية للحركة فحصت الدلالة المذكورة ثم قال : وتفصيل الكلام أن الله سبحانه ذكر أولا أن الشمس تجري لمستقر لها إشارة إلى حركتها الخاصة ثم ذكر سبحانه أنه قدر القمر أيضا في منازل الشمس حتى عاد كالعرجون القديم أي رجع إلى الشكل الهلالي وذلك إنما يكون عند قربه إلى الشمس ورجوعه إليها ولما كان للوهم سبيل إلى أن يتوهم أن جري الشمس وسيرها وتقدير أنوار القمر وجرمه المرئي مما يستند إلى إرادتهما على سبيل إرادتنا التي تتعلق تارة بالشيء وأخرى بضده فيصح ويتيسر للنيرين الأمران كما يصحان لنا وأن يتوهم أن إسناد أمر