كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

وتقدم معنى الأواب واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب الثلاثة عطف بيان لعبادنا أو بدل منه
وقيل : نصب بإضمار أعني وقرأ ابن عباس وابن كثير وأهل مكة عبدنا بالإفراد فإبراهيم وحده بدل أو عطف بيان أو مفعول أعني وخص بعنوان العبودية لمزيد شرفه وما بعده عطف على عبدنا وجوز أن يكون المراد بعبدنا عبادنا وضعا للجنس موضع الجمع فتتحد القراءتان أولي الأيدي والأبصار
45
- أولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين على أن الأيدي مجاز مرسل عن القوة والإبصار جمع بصر بمعنى بصيرة وهو مجاز أيضا لكنه مشهور فيه أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة على أن ذكر الأيدي من ذكر السبب وإرادة المسبب والإبصار بمعنى البصائر مجاز عما يتفرع عليها من العلوم كالأول أيضا وفي ذلك على الوجهين تعريض بالجهلة البطالين أنهم كفاقدي الأيدي والأبصار وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع تمكنهم منهما وقيل : الأيدي النعم أي أولي التي أسداها الله تعالى إليهم من النبوة والمكانة أو أولي النعم والإحسانات على الناس بإرشادهم وتعليمهم إياهم وفيه ما فيه وقريء الأيادي على جمع الجمع كأوطف واواطف وقرأ عبد الله والحسن وعيسى والأعمش الأيد بغير ياء فقيل يراد الأيدي بالياء وحذفت اجتزاء بالكسرة عنها ولما كانت أل تعاقب التنوين حذفت الياء معها كما حذفت مع التنوين حكاه أبو حيان ثم قال : وهذا تخريج لا يسوغ لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضمائر وقيل : اليد القوة في طاعة الله تعالى نظير ما تقدم وقال الزمخشري بعد تعليل الحذف بالإكتفاء بالكسرة وتفسيره بالأيد مع التأييد قلق غير متمكن وعلل بأن فيه فوات المقابلة وفوات النكتة البيانية فلا تغفل إنا أخلصناهم بخالصة تعليل لما وصفوا به والباء للسببية وخالصة اسم فاعل وتنوينها للتفخيم وقوله تعالى ذكرى الدار
46
- بيان لها بعد إبهامها للتفخيم وجوز أن يكون خبرا عن ضميرها المقدر أي هي ذكرى الدار وأيا ما كان فذكرى مصدر مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد أي الدار الأخرة وفيه إشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا مجاز أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خلصة خالصة جليلة الشأن لا شوب فيها هي تذكرهم دائما الدار الآخرة فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم إياها وذلك لأن مطمح أنظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون ويذرون جوار الله عز و جل والفوز بلقائه ولا يتسنى ذلك إلا في الآخرة
وقيل أخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها والباء كما في الوجه الأول للسببية والكلام نحو قولك : أكرمته بالعلم أي بسبب أنه عالم أكرمته أو أكرمته بسبب أنك جعلته عالما وقد يتخيل في الثاني أنه صلة ويعضد الوجه الأول قراءة الأعمش وطلحة بخالصتهم
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك أن ذكرى الدار تذكيرهم الناسي الآخرة وترغيبهم إياهم فيها وتزهيدهم إياهم فيها على وجه خالص من الحظوظ النفسانية كما هو شأن الأنبياء عليهم السلام وقيل المراد بالدار الدار الدنيا وبذكراها الثناء الجميل ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم وحكى ذلك عن الجبائي وأبي مسلم وذكره ابن عطية احتمالا وحاصل الآية عليه كما قال الطبرسي إنا خصصناهم بالذكر الجميل في الأعقاب
وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج ونافع وهشام بإضافة خالصة إلى ذكرى للبيان أي بما خلص من

الصفحة 210