كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

ذكرى الدار على معنى أنهم لا يشوبون ذكراها بهم آخر أصلا أو على غير ذلك من المعاني وجوز على هذه القراءة أن تكون خالصة مصدرا كالعاقبة والكاذبة مضافا إلى الفاعل أي أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار وظاهر كلام أبي حيان أن احتمال المصدرية ممكن في القراءة الأولى أيضا لكنه قال : الأظهر أن تكون اسم فاعل وإنهم عندنا لمن المصطفين أي المختارين من بين أبناء جنسهم وفيه إعلال معروف
وعندنا يجوز فيه أن يكون من صلة الخبر وإن يكون من صلة محذوف دل عليه لمن المصطفين أي وإنهم مصطفون عندنا ولم يجوزوا أن يكون من صلة المصطفين المذكور لأن أل فيه موصولة ومصطفين صلة وما في حيز الصلة لا يتقدم معموله على الموصول لئلا يلزم تقدم الصلة على الموصول واعترض بأنا لا نسلم أن أل فيه موصولة إذ لم يرد منه الحدوث ولو سلم فالمتقدم ظرف وهو يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره والظاهر أن الجملة عطف على ما قبلها وتأكيدها لمزيد الإعتناء بكونهم عنده تعالى من المصطفين من الناس الأخيار
47
- الفاضلين عليهم في الخير وهو جمع خير مقابل شر الذي هو أفعل تفضيل في الأصل وكان قياس أقعل التفضيل أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذا أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية وقيل جمع خير المشدد أو خير المخف منه كأموات في جمع ميت بالتشديد أو ميت بالتخفيف
واذكر إسماعيل فصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه اعتناء بشأنه من حيث أنه لا يشرك العرب فيه غيرهم أو للإشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بالذكر واليسع قال ابن جرير هو ابن أخطوب بن العجوز وذكر أنه استخلفه إلياس على بني إسرائيل ثم استنبيء واللام فيه زائدة لازمة لمقارنتها للوضع ولا ينافي كونه غير عربي فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالإسكندر فقد لحن التبريزي من قال اسكندر مجردا له منها و والأولى عندي أنه إذا كان اسما أعجميا وأل فيه مقارنة للوضع أن لا يقال بزيادتها فيه وقيل هو اسم عربي منقول من يسع مضارع وسع حكاه الجلال السيوطي في الإتقان وفي القاموس يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا تدخل على نظائره كيزيد
وقرا حمزة والكسائي والليسع بلامين والتشديد كان أصله ليسع بوزن فيعل من اللسع دخل عليه أل تشبيها بالمنقول الذي تدخله للمح أصله وجزم بعضهم بأنه على هذه القراءة أيضا علم أعجمي دخل عليه اللام
وذا الكفل قيل هو ابن أيوب وعن وهب أن الله تعالى بعث بعد أيوب شرف بن أيوب نبيا وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة
وفي العجائب للكرماني قيل هو إلياس وقيل هو يوشع بن نون وقيل هو نبي اسمه ذو الكفل وقيل كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفي بها وقيل هو زكريا من قوله تعالى : وكفلها زكريا أه وقال ابن عساكر : هو نبي تكفل الله تعالى له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء وقيل لم يكن نبيا وإن اليسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة وقيل : كان رجلا من الصالحين كان في زمانه أربعمائة نبي من بني إسرائيل فقتلهم ملك جبار إلا مائة منهم فروا من القتل فآواهم وأخفاهم وقام بمؤنتهم فسماه الله تعالى ذا الكفل وقيل هو اليسع وأن له اسمين ويأباه ظاهر النظم وكل أي وكلهم من الأخيار
48

الصفحة 211