كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أن المقصود بالإفادة هو النبوة وأن الثاني جيء به تتميما لذلك
وأنت تعلم أن النبوة وكون القرآن وحيا من عند الله تعالى متلازمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر لكن يرجح جعل الآية في النبوة وإثباتها القرب وتصدير هذه الآية بنحو ما صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى قل فإن سلم لك هذا المرجح فذاك وإلا فلا تعدل عما روي عن ابن عباس ومن معه وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم وقيل : ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهم السلام وقيل : تخاصم أهل النار وعدي العلم بالباء نظرا إلى معنى الإحاطة والملأ الجماعة الأشراف لأنهم يملؤن العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد أعني الأعلى والمراد به عند ملأ الملائكة وآدم عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة وكانوا في السماء فالعلو حسي وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى وإذ متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة و السلام بحالهم لا بذواتهم والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصاصهم وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور أي ما كان لي علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصاصهم لأن علمه صلى الله عليه و سلم غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط بل عام لها وللأفعال أيضا من سجود الملائكة عليهم السلام وإباء إبليس واستكباره حسبما ينطق به الوحي فالأولى اعتبار العموم في نفيه أيضا وقيل : إذا بدل اشتمال من الملأ أو ظرف لعلم وفيه بحث والإختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله عز و جل إذ قال ربك الخ والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتي به لا ستحضاره حكاية للحال وضمير الجمع للملأ وحكى أبو حيان كونه لقريش واستبعده وكأن في يختصمون حينئذ التفاتا من الخطاب في أنتم عنه معرضون إلى الغيبة والإختصام في شأن رسالته صلى الله عليه و سلم أو في شأن القرآن أو شأن المعاد وفيه عدول عن المأثور وارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك ومع هذا لا يقبله الذوق السليم وقوله تعالى : إن يوحى إلي إلا إنما أنا نذير مبين
70
- اعتراض وسط بين إجمال اختصاصهم وتفصيله تقريرا لثبوت علمه عليه الصلاة و السلام وتعيينا لسببه إلا أن بيان انتفائه فيما سبق لما كان منبئا عن ثبوته الآن ومن البين عدم ملابسته صلى الله عليه و سلم بشيء من مباديه المعهودة تعيين أنه ليس إلا بطريق الوحي حتما فجعل ذلك أمرا مسلم الثبوت غنيا عن الإخبار به قصدا وجعل مصب الفائدة إخباره بما هو داع إلى الوحي ومصحح له فالقائم مقام الفاعل ليوحي إما ضمير عائد إلى المقدر كما أشير إليه سابقا أو ما يعمه وغيره فالمعنى ما يوحى إلي حال الملأ الأعلى أو ما يوحى إلي الذي يوحى من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور ألا لأني نذير مبين من جهته تعالى فإن كونه عليه الصلاة و السلام كذلك من دواعي الوحي إليه ومصححاته وجوز كون الضمير القائم مقام الفاعل عائدا إلى المصدر المفهوم من يوحى أي ما يفعل الإيحاء إلي بحال الملأ الأعلى أو بشيء من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور ألا لأني الخ
وجوز أيضا كون الجار والمجرور نائب الفاعل وإنما على تقدير اللام قال في الكشف : ومعنى الحصر أنه صلى الله عليه و سلم لم يوح إليه لأمر إلا لأنه نذير مبين وأي مبين كقولك : لم تستقض يا فلان إلا لأنك عالم عامل مرشد
وجوز الزمخشري أن يكون بعد حذف اللام مقاما مقام الفاعل ومعنى الحصر أني لم أومر بهذا الأمر

الصفحة 221