كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
إلى الجماعات قال : صدقت سل يا محمد فقلت : اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون اللهم إني أسألك حبك وحب من أحبك وحب عمل يقربني إلى حبك قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : تعلموهن وادرسوهن فإنهن حق ومعنى اختصامهم في ذلك على ما في البحر اختلافهم في قدر ثوابه ولا يخفى أن حمل الإختصام في الآية على ما ذكر بمراحل عن السياق فإنه مما لم يعرفه أهل الكتاب فلا يسلمه المشركون له عليه الصلاة و السلام أصلا نعم هو اختصام آخر لا تعلق له بالمقام وجعل هؤلاء إذ في إذ قال منصوبا باذكر مقدرا وكذا كل من قال : إن الإختصام ليس في شأن آدم عليه السلام يجعله كذلك والشهاب الخفاجي قال : الأظهر أي مطلقا تعلق إذ باذكر المقدر على ما عهد في مثله ليبقى إذ يختصمون على عمومه ولئلا يفصل بين البدل والمبدل منه وليشمل ما في الحديث الصحيح من اختصامهم في الكفارات والدرجات ولئلا يحتاج إلى توجيه العدول عن ربي إلى ربك انتى وفيه شيء لا يخفى
ومن غريب ما قيل في اختصامهم ما حكاه الكرماني في عجائبه أنه عبارة عن مكناظرتهم بينهم في استنباط العلوم كمناظرة أهل العلم في الأرض ويرد به على من يزعم أن جميع علومهم بالفعل والمعروف عن السلف أنه المقاولة في شأن آدم عليه السلام والرد به حاصل أيضا والمراد في إذ قال ربك للملائكة ما يعم إبليس لأنه إذ ذاك كان مغمورا فيهم ولعل التعبير بهم دون الضمير الراجع إلى الملأ الأعلى على القول بالإتحاد لشيوع تعلق القول بهم بين أهل الكتاب بهذا العنوان أو لشهرة المقابلة بين الملك والبشر فيلطف جدا قوله سبحانه إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين
71
- وقيل : عبر بذلك إظهارا للإستغراق في المقول له والمراد إني خالق فيما سيأتي وفي التعبير بما ذكر ما ليس في التعبير بصيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل البتة من غير صارف والبشر الجسم الكثيف يلاقي ويباشر أو بادي البشر ظاهر الجلد غير مستور بشعر أو وبر أو صوف والمراد به آدم عليه السلام وذكر هنا خلقه من طين وفي آل عمران خلقه من تراب وفي الحجر من صلصال من حمإ مسنون وفي الأنبياء من عجل ولا منافاة غاية ما في الباب أنه ذكر في بعض المادة القريبة وفي بعض المادة البعيدة ثم إن ما جرى عند وقوع المحكي ليس البشر الذي لم يخلق مسماه حينئذ فضلا عن تسميته به بل عبارة كاشفة عن حاله وإنما عبر عنه بهذا الاسم عند الحكاية
فإذا سويته أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه ونفخت فيه من روحي تمثيل لإضافة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فليست ثمت نفخ ولا منفوخ أي فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة التي هي أمريء فقعوا له أمر من وقع وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الإنحناء كما قيل : أي فاسقطوا له ساجدين
72
- تحية له وتكريما فسجد الملائكة أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة كلهم بحيث لم يبق أحد منهم إلا سجد أجمعون
73
- أي بطريق المعية بحيث لم يتأخر أحد منهم عن أحد فكل للإحاطة وأجمع للإجتماع ولا اختصاص لإفادته ذلك بالحالية خلافا لبعضهم وتحقيقه على ما في الكشف أن الإشتقاق الواضح يرشد إلى أن فيه معنى الجمع والضم والأصل في الإطلاق الخطابي التنزيل على أكمل أحوال الشيء ولا