كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أن أحدهما في لوم وعناء والآخر في راحة بال ورضاء وقيل ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين والآخر في أسفل سافلين وأيا ما كان فالسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور
وانتصاب مثلا على التمييز المحول عن الفاعل إذ التقدير هل يستوي مثلهما وحالهما والإقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس والإقتصار عليه أولا في قوله تعالى : ضرب الله مثلا وقريء مثلين أي هل يستوي مثلاهما وحالاهما وثني مع أن المقصود من التمييز حاصل بالإفراد من غير لبس لقصد الإشعار بمعنى زائد وهو اختلاف النوع وجوز أن يكون ضمير يستويان للمثلين لأن التقدير فيما سبق مثل رجل ومثل رجل أي هل يستوي المثلان مثلين وهو على نحو كفى بهما رجلين وهو من باب لله تعالى دره فارسا ويرجع ذلك إلى هل يستويان رجلين فيما ضرب من المثال ولما كان المثل بمعنى الصفة العجيبة التي هي كالمثل كان المعنى هل يستويان فيما يرجع إلى الوصفية وقوله تعالى : الحمد لله تقرير لما قبله من نفي الإستواء بطريق الإعتراض وتنبيه للموحدين على أن مالهم من المزية بتوفيق الله تعالى وأنها نعمة جليلة تقتضي الدوام على حمده تعالى وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عز و جل مستوجب لحمده تعالى وعبادته وقوله تعالى بل أكثرهم لا يعلمون
29
- إضراب وانتقال من بيان عدم الإستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره أو ليسوا من ذوي العلم فلا يعلمون ذلك فيبقون في ورطة الشرك والضلال وقيل المراد أنهم لا يعلمون أن الكل منه تعالى وأن المحامد إنما هي له عز و جل فيشركون به غيره سبحانه فالكلام من تتمة الحمد لله ولا اعتراض ولا يخفى أن بناء الكلام على الإعتراض كما سمعت أولى وقوله تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون
30
- تمهيدا لما يعقبه من الإختصام يوم القيامة وفي البحر أنه لما لم يلتفتوا إلى الحق لم ينتفعوا بضرب المثل أخبر سبحانه بأن مصير الجميع بالموت إلى الله تعالى وأنهم يختصمون يوم القيامة بين يديه وهو عز و جل الحكم العدل فيتميز هناك المحق والمبطل
وقال بعض الأجلة : إنه لما ذكرت من أول السورة إلى هنا البراهين القاطعة لعرق الشركة المسجلة لفرط جهل المشركين وعدم رجوعهم مع جهده صلى الله عليه و سلم في ردهم إلى الحق وحرصه على هدايتهم اتجه السؤال منه عليه الصلاة و السلام بعد ما قاساه منهم بأن يقول ما حالي وحالهم فأجيب بأنك ميت وإنهم ميتون الآية
وقرأ ابن الزبير وابن أبي إسحاق وابن محيصن وعيسى واليماني وابن أبي غوث وابن أبي عبلة إنك مائت وإنهم مائتون والفرق بين ميت ومائت أن الأول صفة مشبهة وهي تدل على الثبوت ففيها إشعار بأن حياتهم عين الموت وأن الموت طوق في العنق لازم والثاني اسم فاعل وهو يدل على الحدوث فلا يفيد هنا مع القرينة أكثر من أنهم سيحدث لهم الموت وضمير الخطاب على ما سمعت للرسول صلى الله عليه و سلم قال أبو حيان : ويدخل معه عليه الصلاة و السلام مؤمنوا أمته وضمير الجمع الغائب للكفار وتأكيد الجملة في إنهم ميتون للإشعار بأنهم في غفلة عظيمة كأنهم ينكرون الموت وتأكيد الأولى دفعا لاستبعاد موته عليه الصلاة و السلام وقيل للمشاركة وقيل إن الموت مما تكرهه النفوس وتكره سماع خبره طبعا فكان مظنة أن لا يلتفت إلى الإخبار به أو أن

الصفحة 263