كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

ينكر وقوعه ولو مكابرة فأكد الحكم بوقوعه لذلك ولا يضر في ذلك عدم الكراهة في بعض لخصوصيته فيه كسيد العالمين صلى الله عليه و سلم ثم إنكم على تغليب المخاطب على الغيب
يوم القيامة عند ربكم أي مالك أموركم تختصمون
31
- فتحتج أنت عليهم بلغتهم ما أرسلت به من الأحكام والمواعظ التي من جملتهم ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في دعوتهم إلى الحق حق الإجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد ويعتذرون بالباطيل مثل أطعنا سادتنا ووجدنا آباءنا وغلبت علينا شقوتنا والجمع بين يوم القيامة وعند ربكم لزيادة التهويل ببيان أن اختصامهم ذلك في يوم عظيم عند مالك لأمورهم نافذ حكمه فيهم ولو اكتفى بالأول لاحتمل وقوع الإختصام فيما بينهم بدون مرافعة أو بمرافعة لكن ليست لدى مالك لأمورهم والإكتفاء بالثاني على تسليم فهم كون ذلك يوم القيامة معه بدون احتمال لا يقوم مقام ذكرهما لما في الصريح بما هو كالعلم من التهويل ما فيه وقال جمع : المراد بذلك الإختصام العام فيما جرى في الدنيا بين الأنام لا خصوص الإختصام بينه عليه الصلاة و السلام وبين الكفرة الطغام وفي الآثار ما يأبى الخصوص المذكور
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال : نزلت هذه الآية إنك ميت الخ فقالوا : وما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان بن عفان قالوا هذه خصومة ما بيننا وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون كنا نقول : ربنا واحد وديننا واحد فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا : نعم هو هذا
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبل إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلنا : كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا وفي رواية أخرى عنه بلفظ نزلت علينا الآية ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وما ندري فيم نزلت قلنا : ليس بيننا خصومة فما التخاصم حتى وقعت الفتنة فقلت : هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه
وأخرج أحمد وعبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في البعث والنشور عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال : لما نزلت إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون قلت : يا رسول الله أينكر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب قال : نعم ينكر ذلك عليكم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه قال الزبير : فو الله إن الأمر لشديد
وزعم الزمخشري أن الوجه الذي يدل عليه كلام الله تعالى هو ما ذكر أولا واستشهد بقوله تعالى فمن أظلم الخ وبقوله سبحانه والذي جاء بالصدق الخ لدلالتهما على انهما اللذان تكون الخصومة بينهما وكذلك ما سبق من قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا الخ وتعقب ذلك في الكشف فقال : أقول قد نقل عن جلة الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم ما يدل على أنهم فهموا الوجه الثاني أي العموم بل ظاهر قول النخعي

الصفحة 264