كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

من السفن والزوارق فالكلام من تمام ما تقدم فإن كان المراد بما هناك السفن والزوارق فالأمر ظاهر وإن كان المراد بها الإبل ونحوها كان الكلام من تمام صدر الآية أي نغرقهم مع ما حملناهم فيه من الفلك وكان حديث خلق الإبل ونحوها في البين استطراد للتماثل ولما في ذلك من نوع بعد بعد قيل إن قوله سبحانه وإن نشأ الخ يرجح حمل الفلك على الجنس و ما على السفن والزوارق الموجودة بين بني آدم إلى يوم القيامة وفي تعليق الإغراق بمحض المشيئة إشعار بأنه قد تكامل ما يستدعي إهلاكهم من معاصيهم ولم يبق إلا تعلق مشيئته تعالى به وقيل إن في ذلك إشارة إلى الرد على من يتوهم إن حمل الفلك الذرية من غير أن يغرق أمر تقتضيه الطبيعة ويستدعيه امتناع الخلاء وقرأ الحسن نغرقهم بالتشديد فلا صريخ لهم أي فلا مغيث لهم يحفظهم من الغرق وتفسير الصريخ بالمغيث مروي عن مجاهد وقتادة ويكون بمعنى الصارخ وهو المستغيث ولا يراد هنا ويكون مصدرا كالصراخ ويتجوز به عن الإغاثة لأن المستغيث ينادي به فيصرخ له ويقول جاءك العون والنصر قال المبرد في أول الكامل : قال سلامة بن جندل : كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له فزع المطانيب يقول إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجد في نصرته وجوز إرادته هنا أي فلا إغاثة لهم ولا هم ينقذون
43
- أي ينجون من الموت به بعد وقوعه إلا رحمة منا ومتاعا استثناء مفرغ من أعم العلل الشاملة للباعث المتقدم والغاية المتأخرة أي لا يغاثون ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلا لرحمة عظيمة من قبلنا داعية إلى الإغاثة والإنقاذ وتمتيع بالحياة مترتب عليهما ويجوز أن يراد بالرحمة ما يقارن التمتيع بالحياة الدنيوية فيكون كلاهما غاية للإغاثة والإنقاذ أي لنوع من الرحمة وتمتيع وإلى كونه استثناء مفرغا مما يكون مفعولا لأجله ذهب الزجاج والكسائي والإستثناء ما يقتضيه الظاهر متصل وقيل : الإستثناء منقطع على معنى ولكن رحمة منا ومتاع يكونان سببا لنجاتهم وليس بذاك وجوز أن يكون النصب بتقدير الباء أي إلا برحمة ومتاع والجار متعلق بينقذون ولما حذف انتصب مجروره بنزع الخافض وقيل هو على المصدرية لفعل محذوف أي إلا أن نرحمهم رحمة ونمتعهم تمتيعا ولا يخفى حاله وكذا حال ما قبله إلى حين
44
- أي إلى زمان قدر فيه حسبما تقتضيه الحكمة آجالهم ومن هنا أخذ أبو الطيب قوله : ولم أسلم لكي أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام والظاهر أن المحدث عنه من يشاء الله تعالى إغراقهم وقال ابن عطية : إن فلا صريخ لهم الخ استئناف أخبار عن المسافرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين أي لا نجاة لهم إلا برحمة الله تعالى وليس مربوطا بالمغرقين وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله أه وقد تأملناه فوجدناه لا حسن فيه فضلا عن أن يكون أحسن
والفاء ظاهرة في تعلق ما بعدها بما قبلها وإذا قيل لهم الخ بيان لإعراضهم عن الآيات التنزيلية بعد بيان إعراضهم عن الآيات الآفاقية التي كانوا يشاهدونها وعدم تأملهم فيها أي غذا قيل لأهل مكة بطريق الإنذار بما نزل من الآيات أو بغيره اتقوا ما بين أيديكم قال قتادة ومقاتل : أي عذاب الأمم التي قبلكم والمراد

الصفحة 28