كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
اتقوا مثل عذابهم وما خلقكم أي عذاب الآخرة وقال مجاهد في رواية عكس ذلك وجاء عنه في رواية أخرى ما بين أيديهم ما تقدم من ذنوبهم وما خلفهم ما يأتي منها وعن الحسن مثله وقيل ما بين أيديهم نوازل السماء وما خلفهم نوائب الأرض وقيل ما بين أيديهم المكاره من حيث يحتسبون وما خلفهم المكاره من حيث لا يحتسبون وحاصل الأمر على ما قيل اتقوا العذاب أو اتقوا ما يترتب العذاب عليه لعلكم ترحمون
45
- حال من واو اتقوا أو غاية له راجين أن ترحموا أو كي ترحموا وفسرت الرحمة بالإنجاء من العذاب وجواب إذا محذوف ثقة بانفهامه من قوله تعالى وما يأتيهم من آية ربهم إلا كانوا عنها معرضين
46
- انفهاما بينا أما إذا كان الإنذار بالآية الكريمة فبعبارة النص وأما إذا كان بغيرها فبدلالته لأنهم حين أعرضوا عن آيات ربهم فلأن يعرضوا عن غيرها بطريق الأولى كأنه قيل : وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أو اتقوا ما يوجبه أعرضوا لأنهم اعتادوا وتمرنوا عليه وما نافية وصيغة المضارع للدلالة على الإستمرار التجددي ومن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثانية تبعيضية متعلقة بمحذوف وقع صفة لآية وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترأوا عليه في حقها والمراد بها إما هذه الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله تعالى وسوابغ آلائه تعالى الموجبة للإقبال عليها والإيمان وإيتاؤها نزول الوحي بها أي ما نزل الوحي بآية من الآيات الناطقة بذلك إلا كانوا عنها معرضين على وجه التكذيب والإستهزاء وإما ما يعمها والآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وتعاجيب المصنوعات التي من جملتها الآيات الثلاث المعدودة آنفا وإيتاؤها ظهورها لهم أي ما ظهرت لهم آية من الآيات التي من جملتها ما ذكر من شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته سبحانه وتفرده تعالى بالألوهية إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي إلى الإيمان به عز و جل
وفي الكلام إشارة إلى استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات و عن متعلقة بمعرضين قدمت عليه للحصر الإدعائي مبالغة في تقبيح حالهم وقيل للحصر الإضافي أي معرضين عنها لا عماهم عليه من الكفر وقيل لرعاية الفواصل والجملة في حيز النصب على أنها حال من هفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما والإستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما يأتيهم آية من آيات ربهم في حال من أحوالهم إلا حال إعراضهم عنها أو ما تأتيهم آية منها في حال من أحوالها إلا حال إعراضهم عنها
وجملة وما تأتيهم الخ على ما يشعر به كلام الكشاف تذييل يؤكد ما سبق من حديث الإعراض وإلى كونه تذييلا ذهب الخفاجي ثم قال : فتكون معترضة أو حالا مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنه مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم فتأمل وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله أي أعطاكم سبحانه بطريق التفضل والإنعام من أنواع الأموال وعبر بذلك تحقيقا للحق وترغيبا في الإنفاق على منهاج قوله تعالى وأحسن كما أحسن الله إليك وتنبيها على عظم جنايتهم في ترك الإمتثال بالأمر وكذلك الإتيان بمن التبعيضية والكلام على ما قيل لذمهم على ترك الشفقة على خلق الله تعالى أثر ذمهم على ترك تعظيمه عز و جل بترك التقوى وفي ذلك إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف لأنها كلها ترجع إلى أمرين التعظيم لله تعالى والشفقة على خلقه سبحانه وقيل هو للإشارة إلى عدم مبالاتهم بنصح الناصح وإرشاده إياهم إلى ما يدفع