كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

هامدون إلى خامدون رمزا خفيا إلى البعث بعد الموت والظاهر أنه لم يؤمن منهم سوى حبيب وأنهم هلكوا عن آخرهم وفي بعض الآثار أنه آمن الملك وآمن قوم من حواشيه ومن لم يؤمن هلك بالصيحة وهذا بعيد فإنه كان الظاهر أن يظاهر أولئك المؤمنون الرسل كما فعل حبيب ولكان لهم في القرآن الجليل ذكر ما بوجه من الوجوه اللهم إلا أن يقال : إنهم آمنوا خفية وكان لهم ما يعذرون به عن المظاهرة ومع هذا لا يخلو بعد عن بعد وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحرث القاري صيحة بالرفع على أن كان تامة أي ما حدثت ووقعت إلا صيحة وينبغي أن لا تلحق الفعل تاء التأنيث في مثل هذا التركيب فلا يقال ما قامت إلا هند بل ما قام إلا هند لأن الكلام على معنى ما قام أحد إلا هند والفاعل فيه مذكر ولم يجوز كثير من النحويين غلإلحاق إلا في الشعر كقول ذي الرمة : طوى التحز والأجراز ما في غروضها وما بقيت إلا الضلوع الجراشع وقول الآخر : ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم ومن هنا أنكر الكثير كما قال أبو حاتم هذه القراءة ومنهم من أجاز ذلك في الكلام على قلة كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية لا ترى إلا مساكنهم بالتاء الفوقية ووجه مراعاة الفاعل المذكور وكأني بك تميل إلى هذا القول وقرأ ابن مسعود إلا زقية من زقي الطائر يزقو ويزقي زقوا إذا صاح ومنه المثل من الزواقي وهي الديكة لأنهم كانوا يسمرون إلى أن تزقوا فإذا صاحت تفرقوا يا حسرة على العباد الحسرة على ما قال الراغب الغم على ما فات والندم عليه كأن المتحسر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه وفي البحر هي أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى حسيرا والظاهر أن يا للنداء و حسرة هو المنادي ونداؤها مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء كأنه قيل : يا حسرة أحضري فهذه الحال من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها قوله تعالى : ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون
30
- والمراد بالعباد مكذبو الرسل ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولا أوليا وقيل : هم المراد وليس بذاك وبالحسرة المناداة حسرتهم والمستهزؤن بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم حيث فوتوا عليها السعادة الأبدية وعوضوها العذاب المقيم ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وأبي وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن يا حسرة العباد بالإضافة وكون المراد حسرة غيرهم عليهم والإضافة لأدنى ملابسة خلاف الظاهر وأخرج ابن جرير وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القرآت يا حسرة العباد على أنفسها ما يأتيهم الخ
وجوز أن تكون حسرة الملائكة عليهم والمؤمنين من الثقلين وعن الضحاك تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السلام وزعم أن المراد بالعباد الرسل الثلاثة وأبو العالية فسر العباد بهذا أيضا لكنه حمل الحسرة على حسرة الكفار المهلكين قال : تحسروا حين رأوا عذاب الله تعالى وتلهفوا على ما فاتهم وقيل : المراد بالعباد المهلكون والمتحسر الرجل الذي جاء من أقصى المدينة تحسر لما وثب القوم لقتله وقيل : المراد بالعباد أولئك والمتحسر الرسل حين قتلوا ذلك الرجل وحل بهم العذاب ولم يؤمنوا ولا يخفى حال هذه الأقوال وكان مراد

الصفحة 3