كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
البلاء عنهم نظير قوله تعالى وإذا قيل لهم اتقوا الخ والمعنى عليه وإذا قيل لهم بطريق النصيحة والإرشاد إلى ما فيه نفعهم أنفقوا بعض ما آتاكم الله من فضله على المحتاجين فإن ذلك مما يرد البلاء ويدفع المكاره قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه والأول أظهر والظاهر أن الذين كفروا هم الذين قيل لهم انفقوا وعدل عن ضميرهم إلى الظاهر إيماء إلى علة القول المذكور وفي كون القول للذين آمنوا إيماء إلى أنهم القائلون قيل : لما أسلم حواشي الكفار من أقربائهم ومواليهم من المستضعفين قطعوا عنهم ما ما كانوا يواسونهم به وكان ذلك بمكة قبل نزول آيات القتال فندبهم المؤمنون إلى صلة حواشيهم فقالوا : أنطعم الخ وقيل : شحت قريش بسبب أزمة على المساكين من مؤمن وغيره فندبهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى النفقة عليهم فقالوا هذا القول وقيل : قال فقراء المؤمنين أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله تعالى فحرموا وقالوا ذلك وروي هذا عن مقاتل وقال ابن عباس : كان بمكة زنادقة إذا أمروا بالصدقة قالوا لا والله أيفقره الله تعالى ونطعمه نحن وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون الأفعال بمشيئة الله تعالى يقولون لو شاء الله تعالى لأغنى فلانا ولو شاء لأعزه ولو شاء سبحانه لكان كذا فأخرجوا هذا الجواب مخرج الإستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولون
وقال القشيري أيضا : إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة لا يؤمنون بالصانع وأنكروا وجوده فقولهم لو يشاء الله من باب الإستهزاء بالمسلمين وجوز أن يكون مبنيا على اعتقاد المخاطبين ويفهم من هذا أن الزنديق من ينكر الصانع وقد حقق الأمر فيه على الوجه الأكمل ابن الكمال في رسالة مستقلة فارجع إليها إن أردت ذلك وعن الحسن وأبي خالد أن الآية نزلت في اليهود أمروا بالإنفاق على الفقراء فقالوا ذلك
وظاهر ما تقدم يقتضي أنها في كفار مكة أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله تعالى وهو عام في الإطعام وغيره فأجابوا بنفي الإطعام الذي لم يزالوا يفتخرون به دلالة على نفي غيره بالطريق الأولى ولذا لم يقل أننفق
وقيل لم يقل ذلك لأن الإطعام هو المراد من الإنفاق أو لأن نعطم بمعنى نعطي وليس بذاك و أطعمه جواب لو وورود الموجب جوابا بغير لام فصيح ومنه أن لو نشاء أصبناهم لو نشاء جعلناه جاجا نعم الأكثر مجيئه باللام
والظاهر أن قوله تعالى إن أنتم إلا في ضلال مبين
47
- من تتمة قول الذين كفروا للذين آمنوا أي ما أنتم إلا في ضلال ظاهر حيث طلبتم منا ما يخالف مشيئة الله عز و جل ولعمري أن الإناء ينضح بما فيه فإن جوابهم يدل على غاية ضلالهم وفرط جهلهم حيث لم يعلموا أنه تعالى يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم سبحانه له ويجوز أن يكون جوابا من جهته تعالى زجر به الكفرة وجهلهم به أو حكاية لجواب المؤمنين لهم فيكون على الوجهين استئنافا بيانيا جوابا لما عسى أن يقال ما قال الله تعالى أو ما قال المؤمنون في جوابهم
وقوله تعالى ويقولون عطف على الشرطية السابقة مفيد لإنكارهم البعث الذي هو مبدأ كل قبيح والنبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يعدهم بذلك ومما يستحضر في أذهانهم ما تقدم في الأوامر فلذا أتوا بالإشارة إلى القريب في قولهم متى هذا الوعد يعنون وعد البعث وجوز أن يكون ذلك من باب الإستهزاء وأراد متى يكون ذلك ويتحقق في الخارج إن كنتم صادقين
48
- فيما تقولون وتعدون فأخبرونا بذلك والخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم