كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
والمؤمنين لما أنهم أيضا كانوا يتلون عليهم الآيات الدالة عليه والآمرة بالإيمان به وكأنه لم يعتبر كونه شرا لهم ولذا عبروا بالوعد دون الوعيد وقيل : إذ ذاك لأنهم زعموا إن لهم الحسنى عند الله تعالى إن تحقق البعث بناء على أن الآية في غير المعطلة ما ينظرون جواب من جهته تعالى أي ما ينتظرون إلا صيحة عظيمة واحدة وهي النفخة الأولى في الصور التي يموت بها أهل الأرض وعبر بالإ لنظار نظرا إلى ظاهر قولهم متى هذا الوعد أو لأن الصيحة لما كانت لا بد من وقوعها جعلوا كأنهم منتظروها تأخذهم تقهرهم وتستولي عليهم فيهلكون وهم يخصمون
49
- أي يتخاصمون ويتنازعون في معاملاتهم ومتاجرهم لا يخطر ببالهم شيء من مخيلها كقوله تعالى أو تأتيهم الساعة بغتة وهو لا يشعرون فلا يغتروا بعدم ظهور علائمها حسبما يريدون ولا يزعمون أنها لا تأتي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : لينفخن في الصور والناس في طرقهم وأصواقهم ومجالسهم حتى أن الثواب بين الرجلين يتساومان فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور فيصعق به وهي التي قال الله تعالى ما ينظرون إلا صيحة واحدة الخ وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة والرجل يليط حوضه فلا يسقي منه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن نعجته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها وأصل يخصمون يختصمون وبه قرأ أبي فسكنت التاء وأدغمت في الصاد بعد قلبها صادا ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وجوز أن يكون الكسر لإتباع حركة الصاد الثانية والساكن لا يضر حاجزا
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن قسطنطين بإدغام التاء في الصاد ونقل حركتها وهي الفتحة إلى الخاء وأبو عمرو أيضا وقالون بخلف باختلاف حركة الخاء وتشديد الصاد وعنهما إسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا جادله والمفعول عليها محذوف أي يخصم بعضهم بعضا وقيل يخصمون مجادلتهم عن أنفسهم وبعضهم يكسر ياء المضارعة إتباعا لكسرة الخاء وشد الصاد وكسر ياء المضارعة لغة حكاها سيبويه عن الخليل في مواضع وعن نافع أنه قرأ بفتح ياء وسكون الخاء وتشديد الصاد المكسورة وفيها الجمع بين الساكنين على حذف المعروف وكأنه يجوز الجمع ببنهما إذا كان الثاني مدغما كأن الأول حرف مد أيضا أم لا وهذا ما اخترناه في نقل القراءات تبعا لبعض الأجلة والرواة في ذلك مختلفون
فلا يستطيعون توصية في شيء من أمورهم إذا كانوا فيما بين أهليهم ونصب توصية على أنه مفعول به ليستطيعون وجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمقدر ولا إلى أهلهم يرجعون
50
- إذا كانوا في خارج أبوابهم بل تبغتهم الصيحة فيمرون حيثما كانوا ويرجعون إلى الله عز و جل لا إلى غيره سبحانه وقرأ ابن محيصن يرجعون بالبناء للمفعول والضمائر للقائلين متى هذا الوعد لا من حيث أعيانهم أعني أهل مكة الذين كانوا وقت النزول بل لمنكري البعث مطلقا ونفخ في الصور هي النفخة الثانية بينها وبين الأولى أربعون أي النفخ فيه وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع
وقرأ الأعرج الصور بفتح الواو وقد مر الكلام في ذلك فإذا هم من الأجداث أي القبور جمع