كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
المراد إخلاؤهم كما في قوله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وقيل يجوز أن يراد به ما يعم الأشكال والإخلاء ومن سمعت أولا وأنت تعلم بعد إرادة ذلك وكذا إرادة الأشكال أو الإخلاء بالخصوص لهم فيها فاكهة بيان لما يتمتعون به في الجنة من المآكل والمشارب وما يتلذذون به من الملاذ الجسمانية والروحانية بعد بيان مالهم فيها من مجالس الإنس ومحافل القدس تكميلا لبيان كيفية ما هم فيه من الشغل والبهجة كذا قيل ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا وقع جواب سؤال نشأ مما يدل عليه الكلام السابق من اشتغالهم بالإنس واتكائهم على الأرائك عدم تعاطيهم أسباب المأكل والمشرب فكأنه قيل : إذا كان حالهم ما ذكر فكيف يصنعون في أمر مأكلهم فأجيب بقوله سبحانه : لهم فيها فاكهة وهو مشير إلى أن لهم من المأكل مالهم على أتم وجه وأفيد أن فيه إشارة إلى أنه لا جوع هناك وليس الأكل لدفع ألم الجوع وإنما مأكولهم فاكهة ولو كان لحما والنتوين للتفخيم أي فاكهة جليلة الشأن وفي قوله سبحانه : لهم فيها فاكهة دون يأكون فيها فاكهة إشارة إلى كون زمام الإختيار بأيديهم وكونهم مالكين قادرين فإن شاؤا أكلوا وإن شاؤا أمسكوا
ولهم ما يدعون
57
- أي ما يدعون به لأنفسهم أي لهم كل ما يطلبه أحد لنفسه لا أنهم يطلبون فإنه حاصل كما إذا سألك أحد فقلت : لك ذلك تعنى فلم تطلب أو لهم ما يطلبون بالفعل على أن هناك طلبا وإجابة لأن الغبطة بالإجابة توجب اللذة بالطلب فإنه مرتبة سنية لا سيما والمطلوب منه والمجيب هو الله تعالى الملك الجليل جل جلاله وعم نواله فيدعون من الدعاء بمعنى الطلب وأصله يدتعيون على وزن يفتعلون سكنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها وقيل بل ضمت العين لأجل واو الجمع ولم يلق حركة الياء عليها وإنما حذفت استثقالا ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار يدتعون فقلبت التاء دالا وأدغمت وافتعل بمعنى فعل الثلاثي كثير ومنه اشتوى بمعنى شوى واجتمل بمعنى جمل أي اذاب الشحم
قال لبيد : فاشتوى ليلة ريح واجتمل
و لهم خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وهي موصولة والجملة بعدها صلة والعائد محذوف وهو إما ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف والإيصال وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة وأن تكون مصدرية فالمصدر حينئذ مبتدأ وهو خلاف الظاهر والجملة عطف على الجملة قبلها وعدم الإكتفاء بعطف ما على فاكهة لئلا يتوهم كونها عبارة عن توابع الفاكهة ومتمماتها
وجوز أن يكون يدعون من الإفتعال بمعنى التفاعل كارتموه بمعنى تراموه أي لهم ما يتداعون والمعنى كل ما يصح أن يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم أو ما يطلبه بعضهم من بعض بالفعل لما في ذلك من التحاب وأن يكون من الإفتعال على ما سمعت أولا إلا أن الإدعاء بمعنى التمني
قال أبو عبيدة : العرب تقول ادع على ما شئت بمعنى تمن علي وتقول فلان في خير ما ادعى أي تمنى أي لهم ما يتمنون قال الزجاج : وهو مأخوذ من الدعاء أي كل ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم قيل افتعل بمعنى فعل فيدعون بمعنى يدعون من الدعاء بمعناه المشهور أي لهم ما كان يدعون به الله عز و جل في الدنيا من الجنة ودرجاتها
وقوله تعالى : سلام جوز أن يكون بدلا من ما يبدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم وقوله تعالى :