كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

التنعم وأيضا المأثور بأبي عنه غاية الإباء وهو كالنص في أن امتازوا فعل أمر ولا يكاد يخطر لقاريء ذلك
ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالإمتياز والأمر بمقاساة حر جهنم والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة والمراد به ههنا ما كان منه تعالى على ألسنة الرسل عليهم السلام من الأوامر والنواهي التي من جملتها قوله تعالى يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الآية وقوله تعالى ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين وغيرهما من الآيات الواردة في هذا المعنى وقيل : هو ميثاق المأخوذ عليهم في عالم الذر إذ قال سبحانه لهم ألست بربكم وقيل : هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله تعالى الزاجرة عن عبادة غيره عز و جل فكأنه استعارة لإقامة البراهين والمواد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عز و جل وجوز أن يراد بها عبادة غير الله تعالى من الآلهة الباطل وإضافتها إلى الشيطان لأنه الآمر بها والمزين لها فالتجوز في النسبة وقرأ طلحة والهذيل بن شرحبيل الكوفي إعهد بكسر الهمزة قاله صاحب اللوامح وقال هي لغة تميم وهذا الكسر في النون والتاء أكثر من بين أحرف المضارعة وقال ابن عطية قرأ الهذيل وابن وثاب ألم إعهد بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء وهي من كسر حرف المضارعة سوى الياء وروي عن ابن وثاب ألم أعهد بكسر الهاء ويقال عهد وعهد أه
ولعله أراد أن كسر الميمم يدل على كسر الهمزة لأن حركة الميم هي الحركة التي نقلت إليها من الهمزة وحذفت الهمزة بعد نقل حركتها لا أن الميم مكسورة والهمزة بعدها مكسورة أيضا فتلفظ بها وقال الزمخشري : قريء إعهد بكسر الهمزة وباب فعل كله يجوز في حروف مضارعته الكسر إلا في الياء و أعهد بكسر الهاء وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب و أحهد بإبدال العين وحدها حاء مهملة و أحد بإبدالها مع إبدال الهاء وإدغامها وهي لغة تميم ومنه قولهم دحا محا أي دعها معها وما ذكر من قوله : إلا في الياء مبني على بعض اللغات وعن بعض كلب أنهم يكسرون الياء أيضا فيقولون يعلم مثلا وقوله في أحهد وأحد لغة بني تميم وهو المشهور وقيل : أحهد لغة هذيل وأحد لغة بني تميم وقولهم دحا محا إما يريدوا به دع هذه القربة مع هذه المرأة أو دع هذه المرأة مع هذه القربة إنه لكم عدو مبين
60
- أي ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الإنتهاء وقيل : تعليل للنهي وعداوة اللعين جاءت من قبل عداوته لآدم عليه السلام والنداء بوصف النبوة لآدم كالتمهيد لهذا التعليل والتأكيد لعدم جريهم على مقتضى العلم فهم والمنكرون سواء وأن اعبدون عطف على أن لا تعبدوا الشيطان على أن أن فيها مفسرة للعهد الذي فيه معنى القول دون حروفه أو مصدرية حذف عنها الجار أي ألم أعهد إليكم في ترك عبادة الشيطان وفي عبادتي وتقديم النهي على الأمر لما أن حق التخلية التقديم على التحلية قيل : وليتصل به قوله تعالى : هذا صراط مستقيم
61
- بناء على أن الإشارة إلى عبادته تعالى لأنه المعروف في الصراط المستقيم وجعل بعضهم الإشارة إلى ما عهد إليهم من ترك عبادة الشيطان وفعل عبادة الله عز و جل
ورجح بأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره سبحانه لا تسمى صراطا مستقيما فتأمل والجملة استئنافية جيء بها لبيان المقتضى للعهد بعبادته تعالى أو للعهد بشقيه والتنكير للمبالغة والتعظيم أي هذا صراط بليغ

الصفحة 40