كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

والسلام القرآن فربما تحصل التهمة فيه لو قال صلى الله عليه و سلم الشعر وكذلك معجزات الأنبياء عليهم السلام فتأمل
وأيا ما كان لا يرد أنه عليه الصلاة و السلام قال يوم حنين وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها ولم يبق معه عليه الصلاة و السلام من الناس إلا قليل أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب لأنا لا نسلم أنه شعر فقد عرفوه بأنه الكلام المقفى الموزون على سبيل القصد وهذا مما اتفق له عليه الصلاة و السلام من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرا في الكلام المنثور ولا يسمى شعرا ولا قائله شاعرا ولا يتوهم من انتسابه فيه إلى جده دون أبيه دليل القصد لأن النسبة إلى الجد شائعة ولأنه هو الذي قام بترتيبه حيث توفي أبوه عليه الصلاة و السلام وهو حمل فحين ولد قام بأمره فوق ما يقوم الوالد بأمر الولد ولأنه كان مشهورا بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبل أو كمانع آخر من الإنهزام ولأن كثيرا من الناس كانوا يدعونه عليه الصلاة و السلام بابن عبد المطلب ومنه حديث ضمام بن ثعلبة أيكم ابن عبد المطلب على أن منهم من لم يعد الرجز مطلقا وأصله ما كان على مستفعلن ست مرات شعرا ولذا يسمى قائله راجزا إلا شاعرا وعن الخليل أن المشطور منه وهو ما حذف نصفه فبقي وزنه مستفعلن ثلاث مرات والمنهوك وهو ما حذف ثلثاه فبقي وزنه مستفعلن مرتين ليسا بشعر وفي رواية أخرى عنه أن المجزو وهو ما حذف من كل مصراع منه جزء فبقي وزنه مستفعلن أربع مرات كذلك فقوله صلى الله عليه و سلم أنا النبي لا كذب إن كان نصف بيت فهو مجزو فليس بشعر على هذه الرواية وأن فرض أن هناك قصدا وإن كان بيتا تاما فهو فليس منهوك بشعر أيضا على الرواية الأولى وكونه ليس بشعر على قول من لا يرى الرجز مطلقا شعرا ظاهر
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة و السلام حرك الباء من كذب والمطلب فلا يكون ذلك موزونا فكونه ليس بشعر أظهر وأظهر والقول بأن ضمير له للقرآن المعلوم من السياق أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرا فيجوز صدور الشعر عنه صلى الله عليه و سلم ولا يحتاج إلى توجيه ليس بشيء فإنه يكفي في نفي الشعر عنه عليه الصلاة و السلام قوله سبحانه وما علمناه الشعر مع أن الظاهر عود الضمير عليه عليه الصلاة و السلام وأولى التوجيهات إخراج ذلك من الشعر بانتفاء القصد وبذلك يخرج ما وقع في القرآن من نظائره منه وقد ذكرنا لك فيما مر كثيرا منها وليس من الآية ما يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لا ينبغي له التكلم بشعر قاله بعض الشعراء والتمثل به وفي الأخبار ما يدل على وقوع التكلم بالبيت متزنا نادرا كما روي أنه عليه الصلاة و السلام أنشد بيت ابن رواحة : يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع وإنشاده إياه كذلك مذكور في البحر وروي أنه صلى الله عليه و سلم أصاب أصبعه الشريفة حجر في بعض غزواته فدميت فتمثل بقول الوليد بن المغيرة : على ما قاله ابن هشام في السيرة أو ابن رواحة على ما صححه ابن الجوزي

الصفحة 48