كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
مصرحة بتشبيه العقل بالحياة أو مؤمنا بقرينة مقابلته بالكافرين وفيه أيضا استعارة مصرحة لتشبيه الإيمان بالحياة ويجوز كونه مجازا مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية والمضي في كان باعتبار ما في علمه عز و جل لتحققه وقيل كان بمعنى يكون وقيل في الكلام مجاز المشارفة ونزلت منزلة المضي وهو كما ترى وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع بذلك ويحق القول أي تجب كلمة العذاب على الكافرين
70
- الموسومين بهذا الوسم المصرين على الكفر وفي إيرادهم بمقابلة من حيا إشعار بأنهم لخلوهم عن آثار الحياة وأحكامها كالمعرفة أموات في الحقيقة وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى وكأنه جيء بقوله سبحانه : لينذر الخ رجوعا إلى ما بديء به السورة من قوله عز و جل : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ولو نظرت إلى هذا التخلص من حديث المعاد إلى حديث القرآن والإنذار لقضيت العجب من حسن موقعه أو لم يروا الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أي ألم يتفكروا أو ألم يلاحظوا أو ألم يعلموا علما يقينيا مشابها للمعاينة زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى : ألم يرو كم أهلكنا الخ والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم المشار إليها بقوله تعالى : أنا خلقناهم أي لأجلهم وانتفاعهم مما عملت أيدينا أي مما تولينا إحداثه بالذات من غير مدخل لغيرنا فيه لا خلقا ولا كسبا
والكلام استعارة تمثيلية فيما ذكر وجوز أن يكون قد كني عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع أريد به ما أريد مجازا متفرعا على الكناية وقال بعضهم : المراد بالعمل الإحداث وبالأيدي القدرة مجازا وأوثرت صيغة التعظيم والأيدي مجموعة تعظيما لشأن الأثر وأنه عجيب وصنع غريب وليس بذاك وقيل الأيدي مجاز عن الملائكة المأمورين بمباشرة الأعمال حسبما يريده عز و جل في عالم الكون والفساد كملائكة التصوير وملائكة نفخ الأرواح في الأبدان بعد إكمال تصويرها ونحوهم ولا يخفى ما فيه
ونحوه ما قيل الأيدي مجاز عن الأسماء فإن كل أثر في العالم بواسطة اسم خاص من أسمائه عز و جل
وأنت تعلم أن الآية من المتشابه عند السلف وهم لا يجعلون اليد مضافة إليه تعالى بمعنى القدرة أفردت كيد الله فوق أيديهم أو ثنيت كخلقت بيدي أو جمعت كما هنا بل يثيبتون اليد له عز و جل كما أثبتها لنفسه مع التنزيه الناطق به قوله سبحانه : ليس كمثله شيء وارتضاه كثير ممن وفقه الله تعالى من الخلق ولا أرى الطاعنين عليهم إلا جهلة أنعاما مفعول خلقنا وأخر عن الجارين المتعلقين به اعتناء بالمقدم وتشويقا إلى المؤخر وجمعا بينه وبين ما يتعلق به من أحكامه المتفرعة عليه والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية وخصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع وهذا كقوله تعالى : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت فهم لها مالكون
71
- أي متملكون لها بتمليكنا إياها لهم والفاء للتفريع على مقدر أي خلقنا لهم أنعاما وملكناها لهم فهم بسبب ذلك مالكون لها وقيل للتفريع على خلقها لهم وفيه خفاء وجوز أن يكون الملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه ومنه قول الربيع بن منبع الفزاري وقد سئل عن حاله بعد إذ كبر : أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا