كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أن المعنى والمشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة أثرهم في النار وجعلهم جندا من باب التهكم والإستهزاء
وكذلك لام لهم الدالة على النفع وقيل هم للآلهة وضمير لهم للمشركين أي وإن الآلهة معدون محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة لأنهم يجعلون وقود النار أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارا لعجزهم وإقناطا للمشركين عن شفاعتهم وجعلهم جندا والتعبير باللام في الوجهين على ما مر آنفا واختلاف مراجع الضمائر في الآية ليس من التفكيك المحظور والواو في قوله سبحانه وهم الخ على جميع ما مر إما عاكطفة أو حالية إلا أن الحال مقدرة في بعض الأوجه كما لا يخفى والفاء في قوله تعالى فلا يحزنك قولهم فصيحة أي إذا كان هذا حالهم مع ربهم عز و جل فلا تحزن بسبب قولهم عليك هو شاعر أو إذا كان حالهم يوم القيامة ما سمعت فلا تحزن بسبب قولهم على الله سبحانه إن له شركاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أو عليك هو شاعر أو على الله تعالى وعليك ما لا يليق بشأنه عز و جل وشأنك والإقتصار في بيان قولهم عليه صلى الله عليه و سلم بأنه وحاشاه شاعر لأنه الأوفق بما تقدم من قوله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له وقد يعمم فيشمل جميع ما لا يليق بشأنه عليه الصلاة و السلام من الأقوال وتفسير الشرط الذي أفصحت عنه الفاء بما ذكرنا أولا هو المناسب لما روي عن الحسن وقتادة في معنى قوله تعالى وهم لهم جند محضرون وبما ذكرنا ثانيا هو المناسب لما ذكر بعد في معنى ذلك وقيل التقدير على الأول إذا كانوا في هذه المرتبة من سخافة العقول حيث اتخذوا رجاء النصر آلهة من دون الله عز و جل لا يقدرون على نصرهم والذب عنهم بل هم يذبون عن تلك الآلهة فلا تحزن بسبب قولهم عليك ما قالوا ولعل الأول أولى وأيا ما كان فالنهي وإن كان بحسب الظاهر متوجها إلى قولهم لكنه في الحقيقة كما أشرنا إليه متوجه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والمراد نهيه عليه الصلاة و السلام عن التأثر من الحزن بطريق الكناية على أبلغ وجه وأكده كما لا يخفى
وقرأ نافع فلا يحزنك بضم الياء وكسر الزاي من أحزن المنقول من حزن اللازم وجاء حزنه وأحزنه
إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون
76
- تعليل صريح للنهي بطريق الإستئناف بعد تعليلة بطريق الإشعار بناء على التقدير الثاني في الشرط فإن العلم بما ذكر مجاز عن مجازاتهم عليه أو كناية عنها للزومها إياه إذ علم الملك القادر الحكيم بما جرى من عدوه الذي تقتضي الحكمة الإنتقام منه لمجازاته والإنتقام منه وهو على التقدير الأول قيل استئناف بياني وقع جواب سؤال مقدر كأنه قيل : يا رب فإذا كان حالهم معك ومع نبيك ذلك فماذا تصنع بهم فقيل : إنا نعلم الخ أي نجازيهم بجميع جناياتهم وقيل هو تعليل لترتيب النهي على الشرط فتأمل وما موصولة والعائد محذوف أي نعلم الذي يسرونه من العقائد الزائغة والعداوة لك ونحو ذلك والذي يعلنونه من كلمات الإشراك والتكذيب ونحوها وجوز أن تكون مصدرية أي نعلم إسرارهم وإعلانهم والمفعول محذوف أو الفعلان منزلان منزلة اللازم والمتبادر الأول وهو الأولى
وتقديم السر على العلن لبيان إحاطة علمه سبحانه بحيث أن علم السر عنده تعالى كأنه أقدم من علم العلن وقيل : لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق عمله تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقيل : للإشارة إلى الإهتمام بإصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر ولأنه محل الإشتباه المحتاج للبيان وشاع أن الوقف على قولهم متعين وقيل : ليس به

الصفحة 52