كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء واستدل من قال منها بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعه كما يشاهد في القرن وما يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره وقال ابن زهر في كتاب التيسير : اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حسا بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بني عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة ز وأرد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس ورجح هذا على إرادة صاحبها بان سبب النزول لا بد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الإستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال : إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا ومنه الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع وهو عز و جل بكل خلق أي مخلوق عليم
79
- مبالغ في العلم فيعلم جل وعلا بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الأشخاص أصولها وفروعها وأوضاع بعضها من بعض من الإتصال والإنفصال والإجتماع والإفتراق فيعيد كلا من ذلك على النمط السابق مع القوى التي كانت قبل والجملة إما اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما تقدم أو معطوفة على الصلة والعدول إلى الإسمية للتنبيه على أن علمه تعالى بما ذكر أمر مستمر ليس كإنشائه للمنشآت
وقوله تعالى الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا بدل من الموصول الأول وعدم الإكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة والظرفان متعلقان بجعل قدما على نارا مفعوله الصريح للإعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر و الأخضر صفة الشجر وقرىء الخضراء وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحده بالتاء مثل الشجر غذ يقال في واحده شجرة وأهل نجد يذكرونه إلا ألفاظا استثنيت في كتب النحو وذكر بعضهم أن التذكير لرعاية اللفظ والتأنيث لرعاية المعنى لأنه في معنى الأشجار والجمع تؤنث صفة وقيل لأنه في معنى الشجرة وكما يؤنث صفته يؤنث ضميره كما في قوله تعالى من شجر من زقوم فمالئون منها البطون والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ العفار يتخذ من المرخ وهو ذكر الزند الأعلى ومن العفار بفتح العين وهو أنثى الزندة السفلى ويستحق الأول على الثاني وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى وكونه المرخ بمنزلة الذكر والعفار بمنزلة الأنثى هو ما ذكره الزمخشري وغيره واللفظ كالشاهد له وعكس الجوهري وعن ابن عباس والكلبي في كل شجر نار إلا العناب قيل ولذا يتخذ منه مدق القصارين وأنشد الخفاجي لنفسه : أيا شجر العناب نارك أو قدت بقلبي وما العناب من شجر النار واشتهر العموم وعدم الإستثناء ففي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر من

الصفحة 55