كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

يوم القيامة فلا مناسبة بين الأجزاء التي تجمع وبين الروح والحياة فلا يلزم من صحة الإنشاء صحة الحشر بقوله تعالى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وحيث كان هذا معروفا بينهم يشاهده الكبير والصغير منهم أشار سبحانه إلى الدفع به وإلا فإنشاؤه تعالى لما يكون بالتولد من الحيوان كالفار والذباب دافع لذلك
ومن الناس من زعم أن ما يكون قبيل الساعة من الزلازل وإنزال مطر كمني الرجال ونحو ذلك لتحصيل استعداد للروح في تلك الأجزاء وهو مما لا يحتاج إلى التزامه وكذا استدل لذلك القول بما أرشد إليه إبراهيم عليه السلام حين قال رب أرني كيف تحيي الموتى وبقوله تعالى : أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه إلى غير ذلك من الآيات وفي الأخبار ما يقتضيه أيضا واستدل لدعوى أن البدن يعدم ذاتا في القول الثاني بقوله سبحانه كل شيء هالك إلا وجهه وقوله تعالى : كل من عليها فان ورد بأنه يجوز أن يكون التفرق هلاكا بل قال بعض المحققين : إن معنى الآية كل شيء ليس بموجود في الحال في حد نفسه إلا ذات الواجب تعالى بناء على أن وجود الممكن مستفاد من الغير فلا وجود فيه مع قطع النظر عن الغير بخلاف وجود الواجب تعالى فإنه من ذاته سبحانه بل عين ذاته ويقال نظير ذلك في الآية الثانية لو سلم دخول البدن في عموم من واستدل لدعوى أنه يخلق يوم القيامة مثله في القول الثالث بقوله تعالى : أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وأجيب ان المراد مثلهم في الصغر والقماة على ما سمعت فيما تقدم ولا يراد أنه تعالى قادر على أن يخلق يوم القيامة مثل أبدانهم التي كانت في الدنيا ويعيد أرواحهم إليها إذ لا يكاد يفهم هذا من الآية ولا داعي لالتزام القول بأن الحشر بخلق مثل البدن السابق وإن قيل بأن ذلك البدن تعدم ذاته في الخارج ومن الناس من توهم وجوب التزامه أن قيل بذلك لاستحالة إعادة المعدوم
واستدل على الإستحالة بأن لو لزم تخلل العدم بين الشيء ولفسه وهو محال
ورد بناء على أن الوقت ليس من المشخصات المعتبرة في الوجود بأنا لا نسلم أن التخلل ههنا محال لأن معناه أنه كان موجودا زمانا ثم زال عنه الوجود في زمان آخر ثم اتصف بالوجود في الزمان الثالث وهو في الحقيقة تخلل العدم وقطع الإتصال بين زماني الوجود ولا استحالة فيه لوجود الطرفين المتغايرة بالذات إنما المحال تخلل العدم بين ذات الشيء ونفسه بمعنى قطع الإتصال بين الشيء ونفسه بأن يكون الشيء موجودا ولم يكن نفسه موجودا ثم يوجد نفسه وههنا ليس كذلك فإن الشيء وجد مع نفسه في الزمان الأول ثم اتصف مع نفسه بالعدم في الزمان الآخر ثم اتصف بالوجود مع نفسه في الزمان الثالث فلم يتحقق قطع الإتصال بين الشيء ونفسه في زمان من الأزمنة وهل هذا إلا كلبس شخص ثوبا معينا ثم خلعه ثم لبسه واستدل أيضا بأنه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لجاز إعادته مع مثله من كل وجه واللازم باطل لأن المتماثلين إما أن يكون أحدهما معادا دون الآخر وذلك باطل مستلزم للتحكم والترجيح بلا مرجح وأما أن يمكونا معادين وهو أيضا باطل مستلزم لاتحاد الإثنين وإما أن لا يكون شيء منهما معادا وهو أيضا باطل مستلزم خلاف المفروض إذ قد فرض كون أحدهما معادا وفيه أنه لا يتم الإثبات فقدان الذات وبطلان الهوية فيما بين الوجودين السابق واللاحق فإنه مدار لزوم التحكم ويجوز أن يقال : الشيء إذا عدم في الخارج بقي في نفس الأمر بحسب وجوده الذهني فيحفظ وحدته الشخصية بحسب ذلك الوجود كما لو كان متميزا ثابتا في العدم ثبوتا منكفا عن الوجود الخارجي كما

الصفحة 59