كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
أن تعدد الملائكة التالين للوحي سواء كان صنفا مستقلا أم لا مما يشكل عليه ما ذكره غير واحد أن الأمين على الوحي التالي للذكر على الأنبياء هو جبريل عليه السلام لا غير نعم من الآيات ما ينزل مشيعا بجمع من الملائكة عليهم السلام ونطق الكتاب الكريم بالرصد عند الوحي وهذا أمر والتلاوة على الأنبياء عليهم السلام أمر آخر فتأمل جميع ذلك وفي المراد بالصفات المتناسقة احتمالات غير ما ذكر فلا تغفل
وأما ما كان فالقسم بتلك الجماعات أنفسها ولا حجر على الله عز و جل فليه سبحانه أن يقسم بما شاء فلا حاجة إلى القول بأن الكلام على حذف مضاف أي ورب الصافات مثلا والآية ظاهرة الدلالة على مذهب سيبويه والخليل في مثل والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى من أن الواو الثانية وما بعدها للعطف خلافا لمذهب غيرهما من أنها للقسم لوقوع الفاء فيها موقع الواو إلا أنها تفيد الترتيب وأدغم ابن مسعود ومسروق والأعمش وأبو عمرو وحمزة التاآت الثلاث فيما يليها للتقارب فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا
إن إلهكم لواحد
4
- جواب للقسم وقد جرت عادتهم على تأكيد ما يهتم به بتقديم القسم ولذا قدم ههنا فلا يقال : إنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم وما قيل من أن وحدة الصانع قد ثبتت بالدليل النقلي بعد ثبوتها بالعقل ففائدته ظاهرة هنا غير تام لأن الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد وقد أشير إلى البرهان في قوله سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق
5
- فإن وجودها على هذا النمط البديع أوضح دليل علة وحدته عز و جل بل في كل ذرة من ذرات العالم دليل على ذلك
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
ورب خبر ثان لأن على مذهب من يجوز تعدد الأخبار أو خبر مبتدأ محذوف أو هو رب السماوات الخ
وجوز أبو البقاء وغيره كونه بدلا من واحد فهو المقصود بالنسبة أي خالق السماوات والأرض وما بينهما من الموجودات ويدخل في عموم الموصول أفعال العباد فتدل الآية على أنها مخلوقة له تعالى ولا ينافي ذلك كون قدرة العبد مؤثرة بإذنه عز و جل كما ذهب إليه معظم السلف حتى الأشعري نفسه في آخر الأمر على ما صرح به بعض الأجلة وفسر بعضهم الرب هنا بالملك وبالربى ولعل الأول أظهر وفي دلالة الآية على كون أفعال العباد مخلوقة له على ذلك بحث والمراد بالمشارق عند جمع مشارق الشمس لأنها النعروفة الشائعة فيما بينهم وهي بعدد أيام السنة فإنها في كل يوم تشرق من مشرق وتغرب من مغرب فالمغارب متعددة تعدد المشارق وكأن الإكتفاء بها لاستلزامها ذلك مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة ولهذا استدل به إبراهيم عليه السلام عند محاجة النمروذ وعن ابن عطية أن مشارق الشمس مائة وثمانون ووفق بعضهم بين هذا وما يقتضيه ما تقدم من مضاعفة العدد بأن مشارقها من رأس السرطان وهو أول بروج الصيف إلى رأس الجدي وهو أول بروج الشتاء متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحد كانت مائة وثمانين وإن نظر إلى تغايرهما كانت ثلثمائة وستين وفي هذا إسقاط الكسر فإن السنة الشمسية تزيد على ذلك العدد بنحو ستة أيام على ما بين في موضعه وفسرت المشارق أيضا بمشارق الكواكب ورجح بأنه المناسب لقوله تعالى بعد أنا زينا الخ للسيارات منها متفاوتة في العدد وأكثرها مشارق على ما هو المعروف عند المتقدمين زحل ومشارقه إلى أن يتم دورته أكثر من مشارق الشمس إلى أن تتم دورتها بألوف ومشارق الثوابت إلى أن تتم الدورة أكثر وأكثر فلا تغفل وتبصر وتثنية المشرق والمغرب في قوله تعالى رب المشرقين ورب