كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

وجوز كونه مفعولا له بزيادة الواو أو على تأخير العامل أي ولحفظها زيناها وقوله تعالى : من كل شيطان مارد
7
- متعلق بحفظنا المحذوف أو بحفظا والمارد كالمريد المتعري عن الخيرات من قولهم شجرا أمرد إذا تعرى من الورق ومنه قيل رملة مرداء إذا لم تنبت شيئا ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر وفسر هنا أيضا بالخارج عن الطاعة وهو في معنى التعري عنها وقوله تعالى : لا يسمعون إلى الملأ الأعلى أي لا يتسمعون هذا أصله فأدغمت التاء في السين وضمير الجمع لكل شيطان لأنه بمعنى الشياطين
وقرأ الجمهور لا يسمعون بالتخفيف والملأ في الأصل جماعة يجتمعون على رأي فيملؤن العيون رواء النفوس جلالة وبهاء ويطلق على مطلق الجماعة وعلى الأشراف مطلقا والمراد بالملأ الأعلى الملائكة عليهم السلام كما روي عن السدي لأنهم في جهة العلو ويقابله الملأ الأسفل وهم الإنس والجن لأنهم في جهة السفل
وقال ابن عباس : هم أشراف الملائكة عليهم السلام وفي رواية أخرى عنه أنهم كتابهم وفسر العلو على الروايتين بالعلو المعنوي
وتعدية الفعل على قراءة الجمهور بإلى لتضمينه معنى الإصغاء أي لا يسمعون مصغين إلى الملأ الأعلى والمراد نفي سماعهم مع كونهم مصغين وفيه دلالة على مانع عظيم ودهشة تذهلهم عن الإدراك وكذا على القراءة الأخرى وهي قراءة ابن عباس بخلاف عنه وابن وثاب وعبد الله بن مسلم وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وحفص بناء على ما هو الظاهر من أن التفعل لا يخالف ثلاثيه في التعدية واستعمال تسمع مع إلى لا يقتضي كونه غير مضمن وقيل لا يحتاج إلى اعتبار التضمين عليها والتفعل مؤذن بالطلب فتصمع بمعنى طلب السماع وقيل : ويشعر ذلك بالإصغاء لأن طلب السماع يكون بالإصغاء فتتوافق القراءتان وإن لم يقل بالتضمين في قراءة التشديد ولعل الأولى القول بالتضمين ونفي طلبهم السماع وقوعه منهم حتى قيل : إنه يركب بعضهم بعضا لذلك إما ادعائي للمبالغة في نفي سماعهم أو هو على ما قيل بعد وصولهم إلى محل الخطر لخوفهم من الرجم حتى يدهشوا على طلب السماع وقال أبو حيان : إن نفي التسمع لانتفاء ثمرته وهو السمع
وقال ابن كمال : عدي الفعل في القراءتين بإلى لتضمنه معنى الإنتهاء أي لا ينتهون بالسمع أو التسمع إلى الملأ الأعلى وليس بذلك كما لا يخفى على المتأمل الصادق والجملة في المشهور مستأنفة استئنافا نحويا ولم يجوز كونها صفة لشيطان قالوا إذ لا معنى للحفظ من شياطين لا تسمع مع إيهامه لعدم الحفظ عمن عداها وكذا لم يجوز كونها استئنافا بيانيا واقعا جواب سؤال مقدر إذ المتبادر أن يؤخذ السؤال من فحوى ما قبله فتقديره حينئذ لم تحفظ فيعود محذور الوصفية وكذا كونها حالا مقدرة لأن الحال كذلك يقدرها صاحبها والشياطين لا يقدرون عدم السماع أو عدم التسمع ولا يريدونه وجوز ابن المنير كونها صفة والمراد حفظ السماوات ممن لا يسمع أو لا يسمع بسبب هذا الحفظ وهو نظير ثم أرسلنا رسلنا وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ومن هنا لم يجعل بعض الأجلة قوله عليه الصلاة و السلام من قتل قتيلا فله سلبه من مجاز الأول وتعقب بأن ذلك خلاف المتبادر ولا يكاد يفهم من أضرب الرجل المضروب كونه مضروبا بهذا الضرب المأمور به لا بضرب آخر قبله وكذا جوز صاحب الكشف كونها صفة وكونها مستأنفة استئنافا بيانيا أيضا ودفع المحذور وأبعد في ذلك المغزى كعادته في سائر تحقيقاته فقال : المعنى لا يمكنون من السماع

الصفحة 69