كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

في سياق الإمتنان أو نحوه وفي الإخراج وكذا الجعل تنبيه على كمال الأحياء فمنه أي من الحب بعد إخراجها إياه والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى يأكلون
33
- والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للإهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره وجعلنا فيها جنات من نخيل جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة وصرح به القاموس وقيل اسم جمع وقال الجوهري : النخل والنخيل بمعنى واحد وعلى الأول المعول وأعناب جمع عنب ويقال الكرم نفسه وعلى ثمرته كما قال الراغب : ولعله مشترك فيهما وقيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة وأيا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل وجمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل وأنواع العنب وذلك لأن النخل والعنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على إفراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما وتعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس وهو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولا ذاتيا فلا يحتاج في الدلالة على الإختلاف إلى الجمعية وقولهم جمع العالم في قوله تعالى : الحمد لله رب العالمين وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولا ظاهرا متعينا وأن حصل الإشعار بدونه وقيل جمعا للدلالة على مزيد النعمة وأما الحب ففيه قوام البدن وهو حاصل بالجنس
وامتن عز و جل في معرض الإستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل والأعناب المراد بها الأشجار ولم يمتن سبحانه وتعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر والعنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب أعظاما للمنة لتضمن ذلك الإمتنان بالثمار وغيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لا سيما النخيل ولا دلالة في الكلام على حصر ثمرة الجعل بأكل الثمرة وثمرة التصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة وهذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة ولذا غير الأسلوب ولم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب وكلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم وعلل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل وما بعد باختصاصها بمزيد النفع وآثار الصنع وتفسير الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار والمجرور في موضع الصفة لجنات والمعروف كونها من أشجار لا من ثمار
قال الراغب : الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعلى ذلك حمل قوله :
من النواضح تسقى جنة سحقا
على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر
وفجرنا فيها أي شققنا في الأرض وقرأ جناح بن حبيشض فجرنا بالتخفيف والمعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة والتكثير من العيون
34
- أي شيئا من العيون على أن الجار والمجرور في موضع الصفة لمحذوف ومن بيانية وجوز كونها تبعيضية وليس بذاك وقيل المفعول محذوف و من العيون متعلق بفجر ومن ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء وذهب الأخفش إلى زيادة من وجعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها ليأكلوا من ثمره متعلق بجعلنا

الصفحة 7