كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
إلى كرة النار وهي الرجوم ولكونها بواسطة تسخين الكوكب للأرض قال سبحانه : وجعلناها رجوما على التجوز في إسناد الجعل إليها أو في لفظها ولا يخفى أن كرة النار مما لم تثبت في كلام السلف ولا ورد فيها عن الصادق عليه الصلاة و السلام خبر وقيل : يجوز أن تكون المصابيح هي الشهب وهي غير الكواكب وزينة السماء بالمصابيح لا يقتضي كونها فيها حقيقة إذ يكفي كونها في رأي العين كذلك وقيل : يجوز أن يراد بالسماء جهة العلو وهي مزينة بالمصابيح والشهب كما هي مزينة بالكواكب وتعقب هذا بأن وصف السماء بالدنيا يبعد إرادة الجهة منها وتعقب ما قبله بأن المتبادر أن المصابيح هي الكواكب ولا يكاد يفهم من قوله تعالى : إنا زينا السماء الدنيا زينة الكواكب وقوله سبحانه : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح إلا شيء واحد وأن كون الشهب المعروفة زينة السماء مع سرعة تقضيها وزوالها وربما دهش من بعضها مما لا يسلم والقول بأنه إطلاق الكواكب على الشهابية للمشابهة فيجوز أن يراد بالكواكب ما يشمل الشهب وزينة السماء على ما مر آنفا زيد فيه على ما تقدم ما لا يخفى ما فيه نعم يجوز أن يقال : إن الكوكب ينفصل منه نور إذا وصل إلى محل مخصوص من الجو انقلب نارا ورؤي منقضا ولا يعجز الله عز و جل شيء وقد يقال : إن في السماء كواكب صغارا جدا غير مرتئة ولو بالأرصاد لغاية الصغر وهي التي يرمى بها أنفسها وقوله تعالى : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين من باب عندي درهم ونصفه و إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا الآية إن كان على معنى وحفظا بها فهو من ذلك الباب أيضا وإلا فالأمر أهون فتدبر
واختلف في أن المرجوم هل يهلك بالشعاب إذا أصابه أو يتأذى به من غير هلاك فعن ابن عباس أن الشياطين لا تقتل بالشهاب ولا تموت ولكنها تحرق وتخبل أي يفسد منها بعض أعضائها وقيل تهلك وتموت ومتى أصاب الشهاب من اختطف منهم كلمة قال للذي يليه كان كذا وكذا قبل أن يهلك ولا يأبى تأثير الشهاب فيهم كونهم مخلوقين من النار لأنهم ليسوا من النار الصرفة كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها وأيا ما كان لا يقال : إن الشياطين ذوو فطنة فكيف يعقل منهم العود إلى استراق السمع مرة بعد مرة مع أن المسترق يهلك أو يتأذى الذى الشديد واستمرار انقضاض الشهب دليل استمرار هذا الفعل منهم لأنا نقول : لا نسلم استمرار هذا الفعل منهم واستمرار الإنقضاض ليس دليلا عليه لأن الإنقضاض يكون للإستراق ويكون لغيره فقد أشرنا فيما سبق أن الهواء قد يتكيف بكيفية مخصوصة فيحترق بسبب أشعة الكواكب وإن لم يكن هناك مسترق وقيل : يجوز أن ترى الشهب لتعارض في الأهوية واصطكال يحصل منه ما ترى كما يحصل البرق باصطكال السحاب على ما روي عن بعض السلف وحوادث الجو لا يعلمها إلا الله تعالى فيجوز أن يكونوا قد استرقوا أولا فشاهدوا ما شاهدوا فتركوا واستمرت الشهب تحدث لما ذكر لا لاستراق الشياطين ويجوز أن يقع أحيانا ممن حدث منهم ولم يعلم بما جرى على رؤس المسترقين قبله أو ممن لا يبالي بالأذى ولا بالموت حبا لأن يقال ما أجسره أو ما أشجعه مثل كما يشاهد في كثير من الناس يقدمون في المعارك على ما يتيقنون هلاكهم به حبا لمثل ذلك ولعل في وصف الشيطان بالمراد ما يستأنس به لهذا الإحتمال وأما ما قيل : إن الشهاب قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأسا فخىف المأثور فقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ