كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

في العظمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إذا رمى بالشهاب لم يخطيء من رمي به ثم إن ما ذكر من احتمال أنهم قد تركوا بعد أن صحت عندهم التجربة لا يتم إلا على ما روي عن الشعبي من أنه لم يقذف بالنجوم حتى ولد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلما قذف بها جعل الناس يسيبون أنعامهم ويعتقون رقيقهم يظنون أنه القيامة فأتوا عبد ياليل الكاهن وقد عمي وأخبروه بذلك فقال : انظروا إن كانت النجوم المعروفة من السيارة والثوابت فهو قيام الساعة وإلا فهو أمر حادث فنظرو فإذا هي غير معروفة فلم يمض زمن حتى أتي خبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ووافق على عدم حدوثه قبل ابن الجوزي في المنتظم لكنه قال : إنه حدث بعد عشرين يوما من مبعثه والصحيح أن القذف كان قبل ميلاده عليه الصلاة و السلام وهو كثير في أشعار الجاهلية إلا أنه يحتمل أنه لم يكن طاردا للشياطين وأن يكون طاردا لهم لكن لا بالكلية وأن يكون طاردا لهم بالكلية وعلى هذا لا يتأتى الإحتمال السابق وعلى الإحتمال الأول من هذه الإحتمالات يكون الحادث يوم الميلاد طردهم بذلك وعلى الثاني طردهم بالكلية وتشديد الأمر عليهم لينحسم أمرهم وتخليطهم ويصح الوحي فتكون الحجة أقطع والذي يترجح أنه كان قبل الميلاد طاردا لكن لا بالكلية فكان يوجد استراق عند الندرة وشدد في بدء البعثة وعليه يراد بخبر لم يقذف بالنجوم حتى ولد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه لم يكثر القذف بها وعلى هذا يخرج غيره إذا صح كالخبر المنقول في السير أن إبليس كان يخترق السماوات قبل عيسى عليه السلام فلما بعث أو ولد حجب عن ثلاث سماوات ولما ولد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حجب عنها كلها وقذف الشياطين بالنجوم فقالت قريش : قامت الساعة فقال عتبة بن ربيعة : انظروا إلى العيون فإن كان رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا وقال بعضهم : اتفق المحدثون على أنه كان قبل لكن كثر وشدد لما جاء الإسلام ولذا قال تعالى ملئت حرسا شديدا وشهبا ولم يقل حرست وبالجملة لا جزم عندنا بأن ما يقع من الشهب في هذه الأعصار ونحوها رجوم للشياطين والجزم بذلك رجم بالغيب هذا وقد استشكل أمر الإستراق بأمور منها أن الملائكة في السماء مشغولون بأنواع العبادة أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد فماذا تسترق الشياطين منهم وإذا قيل : إن منهم من يتكلم بالحوادث الكونية فهم على محدبها والشياطين تسترق مقعرها وبينهما كما صح في الأخبار خمسمائة عام فطيف يتأتى السماع لا سيما والظاهر أنهم لا يرفعون أصواتهم إذا تكلموا بالحوادث إذ لا يظهر غرض برفعها وعلى تقدير أن يكون هناك رفع صوت فالظاهر أنه ليس يسمع من مسيرة خمسمائة عام وعلى تقدير أن يكون بهذه الحيثية فكرة الهواء تنقطع عند كرة النار ولا يسمع صوت بدون هواء
وأجيب بأن الإستراق من ملائكة العنان وهم يتحدثون فيما بينهم أمروا به من السماء من الحوادث الكونية و لمسنا السماء طلبنا خبرها أو من الملائكة النازلين من السماء بالأمر فإن ملائكة على أبواب السماء ومن حيث ينزلون يسألونهم بماذا تذهبون فيخبرونهم وليس الإستراق من الملائكة الذين على محدب السماء وأمر كرة النار لا يصح والهواء غير منقطع وهو كلما رق ولطف كان أعون على السماع وعلى أن وجود الهواء مما لا يتوقف عليه السماء على أصول الأشاعرة ومثله عدم البعد المفرط وظاهر خبر أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمو أن الإستراق من الملائكة في السماء قال : إذا قضى الله تعالى أمرا تكلم تبارك وتعالى فتخر

الصفحة 74