كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
أيضا والجملة معطوفة على الجملة قبلها وهذا أحد مذاهب في نحو هذا التركيب وظاهر كلام أبي حيان في شرح التسهيل أن حذف الخبر واجب فقد قال : قال من نحا إلى هذا المذهب الأصل في هذه المسئلة عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما قبل عليه أنابوا حرف العطف مكانه ولم يقدروا إذ ذاك الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوض عنه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفرد وثاني المذاهب أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في خبر إن إن كان مما يتحمل الضمير وكان الضمير مؤكدا أو كان بينه وبين المعطوف فاصل ما والأضعف العطف ونسب ابن هشام هذا المذهب والذي قبله إلى المحققين من البصريين وفي تأتيه هنا من غير ضعف للفصل بالهمزة بحث فقد قال أبو حيان : إن همزة الإستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها وهو غير جائز لصدارتها والجواب بأن الهمزة هنا مؤكدة للإستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما فصل قد بحث فيه بأن الحرف لا يكرر للتوكيد بدون مدخوله والمذكور في النحو أن الإستفهام له الصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس مع أن كون الهمزة في نية التقديم يضعف أمر الإعتداد بالفصل بها لا سيما وهي حرف واحد فلا يقاس الفصل بها على الفصل بلا في قوله تعالى ما أشركنا ولا آباؤنا
وثالثها أن يكون عطفا على محل إن مع ما علمت فيه والظاهر أنه حيمئذ من عطف الجمل في الحقيقة ورابعها أن يكون عطفا على محل اسم إن لأنه كان قبل دخولها في موضع رفع والظاهر أنه حينئذ من عطف المفردات
واعترض بأن الرفع كان بالإبتداء وهو عامل معنوي وقد بطل بالعامل اللفظي وأجيب بأن وجوده كلا وجود لشبهه بالزائد من حيث أنه لا يغير معنى الجملة وإنما يفيد التأكيد فقط واعترض أيضا بأن الخبر المذكور كمبعوثون في الآية يكون حينئذ خبرا عنهما وخبر المبتدأ رافعه الإبتداء أو المبتدأ أو هما وخبر إن رافعه إن فيتوارد عاملان على معمول واحد وأجيب بأن العوامل النحوية ليست مؤثرات حقيقية بل هي بمنزلة العلامات فلا يضر تواردها على معمول واحد وهو كما ترى وتمام الكلام في محله وعلى كل حال الأولى ما تقدم من كونه مبتدأ حذف خبره وقد قال أبو حيان : إن أرباب الأقوال الثلاثة الأخيرة متفقون على جواز القول الأول وهو يؤيد القول بأولويته وأيا ما كان فمراد الكفرة زيادة استبعاد بعث آبائهم بناء على أنهم أقدم فبعثهم أبعد على عقولهم القاصرة وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن عامر ونافع في رواية وقالون أو بالسكون على أنها حرف عطف وفيها الإحتمالات الأربعة إلا أن العطف على الضمير على هذه القراءة ضعيف لعدم الفصل بشيء أصلا قل نعم أي تبعثون أنتم وآباؤكم الأولون والخطاب في قوله سبحانه : وأنتم داخرون
18
- لهم ولآبائهم بطريق التغليب والجملة في موضع الحال من فاعل ما دل عليه نعم أي تبعثون كلكم والحال إنكم صاغرون أذلاء وهذه الحال زيادة في الجواب نظير ما وقع في جوابه عليه الصلاة و السلام لأبي بن خلف حين جاء بعظم قد رم وجعل يفته بيده ويقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رم فقال صلى الله عليه و سلم له على ما في بعض الروايات نعم ويبعثك ويدخلك جهنم وقال غير واحد : إن ذلك من الأسلوب الحكيم وتعقب بأن عد الزيادة منه لا توافق ما قرر في المعاني وإن كان ذلك اصطلاحا جديدا فلا مشاحة في الإصطلاح واكتفى في الجواب عن إنكارهم البعث على هذا المقدار ولم يقم دليل عليه اكتفاء بسبق ما يدل على جوازه في قوله سبحانه