كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
فاستفتهم الخ مع أن المخبر قد علم صدقه بمعجزاته الواقعة في الخارج التي دل عليها قوله سبحانه وإذا رأوا آية الآية وهزؤهم وتسميتهم لها سحرا لا يضر طالب الحق والقول بأن ذلك للإكتفاء بقيام الحجة عليهم في القيامة ليس بشيء وقرأ ابن وثاب والكسائي نعم بكسر العين وهي لغة فيه وقريء قال أي الله تعالى أو ريوله صلى الله عليه و سلم فإنما هي زجرة واحدة الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبل وقيل للبعث والتأنيث باعتبار الخبر والزجرة الصيحة من زجر الراعي غنمه صاح عليها والمراد بها النفخة الثانية في الصور ولما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا والفاء واقعة في جواب شرط مقدر أو تعليلية لنهي مقدر أي إذا كان كذلك فإنما البعثة زجرة واحدة أو لا تستصعبوها فإنما هي زجرة وجوز الزجاج أن تكون للتفسير وما بعدها مفسر للبعث وتعقب بأن تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرح به وتفسيرها ما كني عنه بنعم مما لم يعهد والظاهر أنه تفسير لما كني عنه بنعم وهو بمنزلة المذكور لا سيما وقد ذكر ما يقوي إحضاره من الجملة الحالية وعدم عهد التفسير في مثل ذلك لا جزم لي به
وأبو حيان نازع في تقدير الشرط فقال : لا ضرورة تدعو إليه ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي وما ذكر معهما على قول بعضهم أما ابتداء فلا يجوز حذفه والجمهور على خلافه والحق معهم وهذه الجملة إما من تتمة المقول وإما ابتداء كلام من قبله عز و جل
فإذا هم ينظرون
19
- أي فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا أو ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به وقالوا أي المبعوثون وصيغة الماضي لتحقق الوقوع يا ويلنا أي يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك هذا يوم الدين
20
- استئناف منهم لتعليل دعائهم الويل
والدين بمعنى الجزاء كما في تدين تدان أي هذا اليوم الذي نجازي فيه بأعمالنا وإنما علموا ذلك لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا أنهم يبعثون ويحاسبون ويجزون بأعمالهم فلما شاهدوا البعث أيقنوا بما بعده أيضا وقوله تعالى : هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون
21
- كلام الملائكة جوابا لهم بطريق التوبيخ والتقريع وقيل : هو من كلام بعضهم لبعض أيضا ووقف أبو حاتم على يا ويلنا وجعل ما بعده كلام الله تعالى أو كلام الملائكة عليهم السلام لهم كأنهم أجابوهم بأنه لا تنفع الولولة والتلهف والفصل القضاء أو الفرق بين المحسن والمسيء وتمييز كل عن الآخر بدون قضاء احشروا الذين ظلموا خطاب من الله تعالى للملائكة أو من الملائكة بعضهم لبعض
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تقول الملائكة للزبانية : احشروا الخ وهو أمر بحشر الظالمين من أماكنهم المختلفة إلى موقف الحساب وقيل من الموقف إلى الجحيم والسباق والسياق يؤيدان الأول وأزواجهم أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن منيع في مسنده والحاكم وصححه وجماعة من طريق النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : أزواجهم أمثالهم الذين هم مثلهم يحشر أصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر وأخرج جماعة عن ابن عباس في لفظ أشباههم وفي آخر نظراءهم وروي تفسير