كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

إشارة إلى سرعة وقوع حسابهم وسؤالهم مالكم لا تناصرون الأليق أن يكون بعد تحقق ما يقتضي التناصر وليس ذلك إلا بعد الحساب والأمر بهم إلى النار فلعل الوقف لهذا السؤال في ابتداء توجيههم إلى النار والله تعالى أعلم وقرأ عيسى أنهم بفتح الهمزة بتقدير لأنهم وقرأ البزي عن ابن كثير لا تتناصرون بتاءين بلا إدغام وقريء بإدغام إحداهما في الأخرى بل هم اليوم مستسلمون
26
- منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم وأصل الإستسلام طلب السلامة والإنقياد لازم لذلك عرفا فلذا استعمل فيه أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضا للهلاك ويخذله وجوز في الإضراب أن يكون عن مضمون ما قبله أي لا ينازعون في الوقوف وغيره بل ينقادون أو يخذلون أو عن قوله سبحانه لا تناصرون أي لا يقدر بعضهم على نصر بعض بل هم منقادون للعذاب أو مخلدون وأقبل بعضهم على بعض هم الأتباع والرؤساء المضلون أو الكفرة من الإنس وقرناؤهم من الجن وروي هذا عن مجاهد وقتادة وابن زيد يتساءلون
27
- يسأل بعضهم بعضا سؤال تقريع بطريق الخصومة والجدال قالوا استئناف بياني كأنه قيل : كيف يتساءلون فقيل : قالوا أي الأتباع للرؤساء أو الكفرة مطلقا للقرناء إنكم كنتم تأتوننا في الدنيا عن اليمين
28
- أي من جهة الخير وناحيته فتنهونا عنه وتصدونا قاله قتادة ولشرف اليمين جاهلية وإسلاما دنيا واخرى استعيرت لجهة الخير استعارة تصريحية تحقيقية وجعلت اليمين مجازا عن جهة الخير مع أنه مجاز في نفسه فيكون ذلك مجازا على المجاز لأن جهة الخير لشهرة استعماله التحق بالحقيقة فيجوز فيه المجاز على المجاز كما قالوا في المسافة فإنها موضع الشم في الأصل لأنه من ساف التراب إذا شمه فإن الدليل إذا اشتبه عليه الطريق أخذ ترابا فشمه ليعرف أنه مسلوك أو لا ثم جعل عبارة عن البعد بين المكانين ثم استعير لفرق ما بين الكلامين ولا بعد هناك واستظهر بعضهم حمل الكلام على الإستعارة التمثيلية واعتبار التجوز في مجموع تأتوننا عن اليمين لمعنى تمنعوننا وتصدوننا عن الخير فيسلم الكلام من دعوى المجاز على المجاز وكأن المراد بالخير الإيمان بما يجب الإيمان به وجوز أن يكون المراد به الخير الذي يزعمه المضلون خيرا وأن المعنى تأتوننا من جهة الخير وتزعمون ما أنتم عليه خيرا ودين حق فتخدعوننا وتضلوننا وحكي هذا عن الزجاج
وقال الجبائي : المعنى كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة فترغبوننا بما أنتم عليه فتضلوننا وهو قريب مما قبله وجوز أن تكون اليمين مجازا مرسلا عن القوة والقهر فإنها موصوفة بالقوة وبها يقع البطش فكأنه أطلق المحل على الحال أو السبب على المسبب ويمكن أن يكون ذلك بطريق الإستعارة وتشبيه القوة بالجانب الأيمن في التقدم ونحوه والمعنى إنكم كنتم تأتوننا عن القوة والقهر وتصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا عن الضلال وتقسرونا عليه وإليه ذهب الفراء وأن يكون اليمين حقيقة بمعنى القسم ومعنى إتيانهم عنه أنهم يأتونهم مقسمين لهم على حقية ما هم عليه من الباطل والجار والمجرور في موضع الحال وعن بمعنى الباء كما في قوله تعالى وما ينطق عن الهوى أو هو ظرف لغو وفيه بعد وأبعد منه أن يفسر اليمين بالشهوة والهوى لأن جهة اليمين موضع الكبد وهو مخالف لما حكى عن بعض من أن من أتاه الشيطان من جهة

الصفحة 81