كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
المقام يستلزم نفي الإمكان وكذا نفي الإمكان عمن عداه عز و جل يستلزم ثبوت الوجود بالفعل له تعالى
وجوز تقديره مستحق للعبادة ونفي استحقاقها يستلزم نفي التعدد لكن لا يتم هذا التقدير على تفسير الإله بالمستحق بالعبادة كما لا يخفى
واختار البازلي تقدير الخبر مؤخرا عن إلا الله بناء على أن تقديره مقدما يوهم كون الاسم مستثنى مفرغا من ضمير الخبر وهو لا يجوز عند المحققين وأجازه بعض وهو القول الثاني والثالث ونسب إلى الكوفيين أن إلا عاطفة والإسم الجليل معطوف على الإله باعتبار المحل وهي عندهم بمنزلة لا العاطفة في أن ما بعدها يخالف ما قبلها إلا أن لا لنفي الإيجاب وإلا لإيجاب النفي والرابع أن الاسم الكريم هو الخبر ولا عمل لها فيه على رأي سيبويه من أن الخبر مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها فلا يلزم عملها في المعارف على رأيه وهو لازم على رأي غيره وضعف هذا القول به وكذا بلزوم كون الخاص خبرا عن العام
وكون الكلام مسوقا لنفي العموم والتخصيص بواحد من أفراد ما دل عليه العام لا يجدي نفعا ضرورة أن لا هذه عند الجمهور من نواسخ المبتدأ والخبر والخامس أن إلا بمعنى غير وهي مع اسمه عز اسمه صفة لاسم لا باعتبار المحل أي لا إله غير الله تعالى في الوجود ولا خلل في صناعة وإنما الخلل فيه كما قيل معنى لأن المقصود نفي الألوهية عن غيره تعالى وإثباتها له سبحانه وعلى الإستثناء يستفاد كل من المنطوق وعلى هذا لا يفيد المنطوق إلا نفي الألوهية من غيره تعالى دون إثباتها له عز و جل واعتبار المفهوم غير مجمع عليه لا سيما مفهوم اللقب فإنه لم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة والسادس ونسب إلى الزمخشري أن لا إله في موضع الخبر وإلا الله في موضع المبتدأ والأصل الله فلما أريد قصر الصفة على الموصوف قدم الخبر وقرن المبتدأ بإلا إذ المقصور عليه هو الذي يلي إلا والمقصور هو الواقع في سياق النفي والمبتدأ إذا قرن بإلا وجب تقديم الخبر عليه كما هو مقرر في موضعه وفيه تمحل مع أنه يلزم عليه أن يكون الخبر مبنيا مع لا وهي لا يبنى معها إلا المبتدأ وإنه لو كان الأمر كما ذكر لم يكن لنصب الاسم الواقع بعد الأوجه وقد جوزه جماعة في هذا الترتيب وترك كلامهم لواحد إن التزامه لا تجد لك ثانيا فيه والسابع أن الاسم المعظم مرفوع بإله كما هو حال المبتدأ إذا كان وصفا فإن إلها بمعنى مألوه من أله إذا عبد فيكون قائما مقام الفاعل وسادا مسد الخبر كما في مضروب العمران
وتعقب بمنع أن يكون إله وصفا وإلا لوجب إعرابه وتنوينه ولا قائل به ثم إن هذه الكلمة الطيبة يندرج فيها معظم عقائد الإيمان لكن المقصود الأهم منها التوحيد ولذا كان المشركون إذا لقنوها أولا يستكبرون وينفرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون
36
- يعنون بذلك قاتلهم الله تعالى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد جمعوا بين إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة ووصفهم الشاعر بالمجنون قيل تخليط وهذيان لأن الشعر يقتضي عقلا تاما به تنظم المعاني الغريبة وتصاغ في قوالب الألفاظ البديعة وفيه نظروكم رأينا شعراء ناقصي العقول ومنهم من يزعم أنه لا يحسن شعره حتى يشرب المسكر فيسكر ثم يقول نعم كل من الوصفين هذيان في حقه صلى الله تعالى عليه وسلم بل جاء بالحق وصدق المرسلين
37
- رد عليهم وتكذيب لهم ببيان أن ما جاء به عليه الصلاة و السلام من التوحيد هو الحق الثابت الذي قام عليه البرهان وأجمع عليه كافة المرسلين فأين الشعر والجنون من ساحته صلى الله تعالى عليه وسلم الرفيعة الشأن