كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
وأما إذا كا قيدا للرزق فهو ظاهر الإبار وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفع ما قرر كما لا يخفى على المنصف وقوله تعالى : فواكه بدل من رزق بدل كل من كل وفيه تنبيه على أنه مع تمييزه بخواصه كله فواكه أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة أي ذلك الرزق فواكه والمراد بها ما يؤكل لمجرد التلذذ دون الإقتيات وجميع ما يأكله أهل الجنة كذلك حتى اللحم لكونهم مستغنين عن القوت لإحكام خلقتهم وعدم تحلل شيء من أبدانهم بالحرارة الغريزية ليحتاجوا إلى بدل يحصل من القوت فالمراد بالفاكهة هنا غير ما أريد بها في قوله تعالى وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وهي هناك بالمعنى المعروف فلا منافاة وجوز أن يكون عطف بيان للرزق المعلوم فوجه الإختصاص ما علم به من بين الأرزاق أنه فواكه وقيل هو بدل بعض من كل وتخصيصها بالذكر لأنها من أتباع سائر الأطعمة فتدل على تحقق غيرها وهم مكرمون
42
- عند الله تعالى لا يلحقهم هوان وذلك أعظم المثوبات وأليقها بأولى الهمم ولعل هذا إشارة إلى النعيم الروحاني بعد النعيم الجسماني الذي هو بواسطة الأكل
وقيل مكرمون في نيل الرزق يصل إليهم من غير كسب وكد وسؤال كما هو شأن أرزاق الدنيا
وقريء مكرمون بالتشديد في جنات النعيم
43
- أي في جنات ليس فيها إلا النعيم على أن الإضافة على معنى لام الإختصاص المفيدة للحصر والظرف متعلق بمكرمون أو بمعلوم أو بمحذوف حال من المستكن في مكرمون أو خبر ثان لأولئك أو لهم وقوله تعالى على سرر يحتمل أن يكون حالا من المستكن في مكرمون أو في الظرف قبله وأن يكون خبرا فيكون قوله سبحانه متقابلين
44
- حالا من المستكن فيه أو في مكرمون أو في الظرف أعني في جنات وأن يتعلق بمتقابلين فيكون حالا من المستكن في غيره
وأشير بتقابلهم إلى استثناء بعضهم ببعض فبعضهم يقابل بعضا للإستثناء والمحادثة وفي بعض الأحاديث أنه ترفع عنهم الستور أحيانا فينظر بعضهم إلى بعض وقرأ أبو السمال سرر بفتح الراء وهي لغة بعض تميم وكب يفتحون ما كان جمعا على فعل من المضعف إذا كان اسما واختلف النحويون في الصفة فمنهم من قاسها على الاسم ففتح فيقول ذلل بفتح اللام على تلك اللغة ومنهم من خص ذلك بالاسم وهو مورد السماع وقوله تعالى : يطاف عليهم إما استئناف لبيان ما يكون لهم في مجالي أنسهم أو حال من الضمير في متقابلين أو في أحد الجارين : وجوز كونه صفة لمكرمون وفاعل الطواف على ما قيل من مات من أولاد المشركين قبل التكليف ففي الصحيح أنهم خدم أهل الجنة وقد صرح به في موضع آخر وهو قوله تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون وقوله سبحانه يطوف عليهم غلمان لهم بكأس أي بخمر كما روي عن ابن عباس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهما عن الضحاك قال : كل كأس ذكره الله تعالى في القرآن إنما عني به الخمر ونقل ذلك أيضا عن الحبر والأخفش وهو مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة وعليه قوله الأعشى : وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وبدل على أنه أراد بها الخمر إطلاقا للمحمل على الحال قوله شربت وتقدير شربت ما فيها تكلف والقرينة ههنا