كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
قيل أفما نحن بميتين موتة إلا موتتنا الأولى وجوز أن يكون منقطعا أي لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا وعلمهم بأنهم لا يموتون ناشيء من إخبار أنبيائهم لهم في الدنيا وإعلامهم إياهم بأن أهل الجنة لا يموتون أو من قول الملائكة عليهم السلام لهم حين دخول الجنة طبتم فادخلوها خالدين وقولهم ادخلوها بسلام آمنين وقيل إن أهل الجنة أول ما دخلوا لا يعلمون أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح فنودي يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فحينئذ يعلمونه فيقولون ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى واغتباطا بها ولا يخفى أن كون هذا القول المحكي هنا عند علمهم بعدم الموت من ذبحه بعيد في هذا المقام والظاهر أن هذا بعد الإطلاع والكلام مع القرين وما نحن بمعذبين
59
- كأصحاب النار والمراد استمرار النفي وتأكيده وكذا فيما تقدم واستمرار هذا النفي نعمة جليلة وهو متضمن نفي كزوال نعيمهم المحكي في قوله تعالى : أولئك لهم رزق معلوم الآيات فإن زوال النعيم نوع من العذاب بل هو أعظم أنواعه بل تصور الزوال عذاب أيضا لا يلذ معه عيش ولذا قيل : إذا شئت أن تحيا حياة هنية فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا وكذا يتضمن نفي الهرم واختلاف القوي الذي يوهمه نفي الموت فإن ذلك نوع من العذاب أيضا وأنه إنما اختير التعرض لاستمرار نفي العذاب دون إثبات استمرار النعيم لأن نفي العذاب أسرع خطورا ببال من لم يعذب عند مشاهدة من يعذب وقيل إن ذاك لأن درء الضرر أهم من جلب المنفعة إن هذا لهو الفوز العظيم
60
- الظاهر أن الإشارة إلى ما أخبروا به من استمرار نفي الموت واستمرار نفي التعذيب عنهم ويجوز أن تكون إشارة إلى ما هم فيه من النعيم مع استمرار النفيين فإذا كان الكلام من تتمة كلام القائل أفما نحن بميتين الخ فهو متضمن إشارة ذلك القائل إلى ظهور النعيم ويكون ترك التعرض للتصريح به للإستغناء بذلك الظهور
وجوز أن يكون هذا كلامه تعالى قاله سبحانه تقريرا لقول ذلك القائل وتصديقا له مخاطبا جل وعلا به حبيبه عليه الصلاة و السلام وأمته والتأكيد للإعتناء بشأن الخبر وقريء لهو الرزق العظيم وهو ما رزقوه من السعادة العظمى لمثل هذا فليعمل العاملون
61
- أي لنيل مثل هذا الأمر الجليل ينبغي أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الإنصرام المشوبة بفنون الآلام فتقديم الجار والمجرور للحصر وهذا إن كان إشارة إلى مشخص من حيث تشخصه فمثل غير مقحمة وإن كان إشارة إلى الجنس فهي مقحمة كما في مثلك لا يبخل والكلام يحتمل أن يكون من تتمة القائل ولا يعكر عليه أن الآخرة ليست بدار عمل إذ ليس المراد الأمر بالعمل فيها ويحتمل أن يكون من كلامه عز و جل
وأما قوله سبحانه أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم
62
- فمن كلامه جل وعلا عند الأكثرين وهو متعلق بقوله تعالى : أولئك لهم رزق معلوم والقصة بينهما ذكرت بطريق الإستطراد فالإشارة إلى الرزق اغلمعلوم
وزعم بعضهم جواز كونه من كلام القائل السابق وما هو من كلامه عز و جل قطعا هو ما يأتي إن شاء الله تعالى
وأصل الغزل الفضل والربع في الطعام ويستعمل في الحاصل من الشيء ومنه العسل ليس من إنزال الأرض