كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
أي مما يحصل منها وقول الشافعي لا يجب في العسل العشر لأنه نزل طائر ويقال لما بعد للنازل من الرزق
والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورم تكون في تهامة وفي البلاد المجدبة المجاورة للصحراء سميت بها الشجرة الموصوفة بما في الآية وكلا المعنيين للنزل محتمل هنا بيد أنه يتعين على الأول انتصابه على التمييز أي أذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير نزلا وحاصلا أم شجرة الزقوم التي حاصلها الألم والغم ومعنى التفاضل بين النزلين التوبيخ والتهكم وهو أسلوب كثير الورود في القرآن والحمل على المشاكلة جائز وعلى الثاني الظاهر انتصابه على الحال والمعنى أن الرزق المعلوم نزل أهل الجنة وأهل النار نزلهم شجرة الزقوم فأيهما خير حال كونه نزلا وفيه ما مر من التهكم
والحمل على التمييز لا مانع منه لفظا كما في نحوهم أكفاهم ناصرا ولكن المعنى على الحال أسد لأن المعنى المفاضلة بين تلك الفواكه وهذا الطعام في هذه الحال لا التفاضل بينهما في الوصف وإن ذلك في النزلية أدخل من الآخر فافهم
إنا جعلناها فتنة للظالمين
63
- محنة وعذابا لهم في الآخرة وابتلاء في الدنيا فإنهم سمعوا أنها في النار قالوا كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر وكذا قال أبو جهل ثم استخفافا بأمرها إنكارا للمدلول اللغوي : والله ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فتمزقوا ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويتلذذ بها أقدر على خلق الشجر في النار وحفظه من الإحراق فالنار لا تحرق إلا بإذنه أو إن الإحراق عندها لا بها
إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم
64
- منبتها في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها وقريء نابتة في أصل الجحيم طلعها أي حملها وأصله طلع النخل وهو أول ما يبدو وقبل أن تخرج شماريخه أبيض غض مستطيل كالموز سمي به حمل هذه الشجرة إما لأنه يشابه في الشكل أو الطلوع ولعله الأولى لمكان التشبيه بعد فيكون استعارة تصريحية أو لاستعماله بمعنى ما يطلع مطلقا فيكون كالمرسل للأنف فهو مجاز مرسل
كأنه رؤس الشياطين
65
- أي في تناهي الكراهة وقبح المنظر والعرب تشبه القبيح الصور بالشيطان فيقولون كأنه وجه شيطان أو رأس شيطان وإن لم يروه لما أنه مستقبح جدا في طباعهم لاعتقادهم أنه شر محض لا يخلطه خير فيرتسم في خيالهم بأقبح صورة ومن ذلك قول امريء القيس : أتقتلني والمشر في مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال فشبه بأنياب الأغوال وهي نوع من الشياطين ولم يرها لما ارتسم في خياله وعلى عكس هذا تشبيههم الصورة الحسنة بالملك وذلك أنهم اعتقدوا فيه خير محض لا شر فيه فارتسم في خيالهم بأحسن صورة وعليه قوله تعالى ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ويهذا يرد على بعض الملاحدة حيث طعن في هذا التشبيه بأنه تشبيه بنا لا يعرف وحاصله أنه لا يشترط أن يكون معروفا في الخارج بل يكفي كونه مركوزا في الذهن والخيال
وحمل التشبيه في الآية على ما ذكر هو المروي عن ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما وزعم الجبائي أن الشياطين حين يدخلون النار تشوه صورهم جدا وتستبشع أعضاؤهم فالمراد كأنه رؤس الشياطين