كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

الذين في النار وفيه أن التشبيه عليه أيضا غير معروف في الخارج عند النزول وقيل : رؤس الشياطين شجرة معروفة تكون بناحية اليمن منكرة الصورة يقال لها الأستن وإياها عني النابغة بقوله : تحيد عن استن سود أسافله مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما قال الأصمعي : ويقال لها الصوم وأنشد : موكل بشدوف الصوم يرقبه من المغارب مهضوم الحشازرم وقيل : الشياطين جنس من الحيات ذوات أعراف وأنشد الفراء : عجيز تحلف حين أحلف كمثل شيطان الحماط أعرف أي له عرف وأنشد المبرد : وفي البقل إن لم يدفع الله شره شياطين يعدو بعضهم على بعض فإنهم لآكلون منها تفريع على جعلها فتنة أي محنة وعذابا للظالمين وضمير المؤنث للشجرة ومن ابتدائية أو تبعيضية وهناك مضاف مقدر أي من طلعها وقيل : من تبعيضية والضمير للطلع وأنث لإضافته إلى المؤنث أو لتأويله بالثمرة أو للشجرة ولا يخلو كل عن بعدما فمالئون منها البطون
66
- لغلبة الجوع وإن كرهوها أو للقسر على أكلها ثم إن لهم عليها أي على الشجرة التي ملؤا منها بطونهم لشوبا من حميم
67
- أي لشرابا ممزوجا بماء شديد الحرارة وهذا الشراب هو الغساق أي ما يقطر من جراح أهل النار وجلودهم وقيل : هذا هو الصديد وأما الغساق فعين في النار تسيل إليها سموم الحيات والعقارب أو دموع الكفرة فيها وشربهم ذلك لغلبة عطشهم بما أكلوا من الشجرة فإذا شربوا تقطعت أمعاؤهم
وقريء لشوبا بضم الشين وهو اسم لما يشاب به وعلى الأول هو مصدر سمي به وكلمة ثم قيل للتراخي الزماني وذلك أنه بعد أن يملؤا البطون من تلك الشجرة يعطشون ويؤخر سقيهم زمانا ليزداد عطشهم فيزداد عذابهم
واعترض بأنه يأباه عطف الشرب بالفاء في قوله تعالى فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم فلا بد من عدم توسط زمان وأجيب بأنه يجوز أن يكون شرب الشراب الممزوج بالحميم متأخرا بزمان عن ملئهم البطون دون شرب الحميم وحده وكذا يجوز أن يكون الحال مختلفا فتارة يتآخر الشرب مطلقا زمانا وأخرى لا يتأخر كذلك وقال بعضهم : ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدائه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء
وجوز كون ثم للتراخي الرتبي لأن شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير وعطف البطون بالفاء لأنه يعقب ما قبله ولا يحسن فيه اعتبار التفاوت الرتبي حسنه في الشراب المشوب بالحميم مع الأكل ثم إن مرجعهم أي مصيرهم وقد قريء كذلك وقريء أيضا ثم إن منفذهم لاإلى الجحيم
68
- أي إلى مقرهم من النار فإن في جهنم مواضع أعد في كل موضع منها نوع من البلاء فالقوم يخرجون من محل قرارهم حيث تأجج النار ويساقون إلى موضع آخر مما دارت عليه جهنم فيه ذلك الشراب ليردوه ويسقوا منه ثم يردون إلى محلهم كما تخرج الدواب إلى مواضع الماء في البلد مثلا لترده ثم ترد إلى محلها وإلى هذا المعنى أشار قتادة ثم تلا قوله تعالى :

الصفحة 96