كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

فصيحة أي وتالله لقد دعانا نوح حين أيس من إيمان قومه بعد أن دعاهم أحقابا ودهورا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا ونفورا فأجبناه أحسن الإجابة فو الله لنعم المجيبون نحن فحذف ما حذف ثقة بدلالة ما ذكر عليه والجمع للعظمة والكبرياء وفيه من تعظيم افجابة ما فيه وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى في بيتي فمر بهذه الآية ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون قال : صدقت ربنا أنت أقرب من دعى وأقرب من بغى فنعم المدعو ونعم المعطي ونعم المسؤل ونعم المولى أنت ربنا ونعم النصير
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم
76
- من الغرق على ما روي عن السدي وقيل : أذى قومه ولا مانع من الجمع والكرب على ما قال الراغب : الغم الشديد وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك ويصح أن يكون من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان نحو قربان أي قريب من الملء أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشاء الدلو وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب
وجعلنا ذريته هم الباقين
77
- فحسب حيث أهلكنا الكفرة بموجب دعائه رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وقد روي أنه مات كل من في السفينة ولم يعقبوا عقبا باقيا غير أبنائه الثلاث سام وحام ويافث وأزواجهم فإنهم بقوا متناسلين إلى يوم القيامة
أخرج الترمذي وحسنة وابن سعد وأحمد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه نعم أخرج البزاز وابن أبي حاتم والخطيب في تالي التلخيص عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالية ولا خير فيهم وولد حام القبط والسودان ولا أعرف حال الخبر والأكثرون على أن الناس كلهم في مشارق الأرض ومغاربها من ذرية نوح عليه السلام ولذا قيل له آدم الثاني وإن صح أن لكنعان المغرق ولدا في السفينة لا يبعد إدراجه في الذرية فلا يقتصر على الأولاد الثلاثة وعلى كون الناس كلهم من ذريته عليه السلام استدل بعضهم بالآية وقالت فرقة : أبقى الله تعالى ذرية نوح عليه السلام ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر وكأن هذه الفرقة لا تقوم بعموم الغرف ونوح عليه السلام إنما دعا على الكفار وهو لم يرسل إلى أهل الأرض كافة فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم
والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل : وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبق عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين أي وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين وولد كنعان إن صح وصح بقاء نسله داخل في ذريته والله تعالى أعلم وتركنا عليه في الآخرين
78
- في الباقين غابر الدهر سلام على نوح مبتدأ وخبر

الصفحة 98