كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
وجاز الإبتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء والكلام وارد على الحكاية كقولك : قرأت سورة أنزلناها وهو على ما قال الفراء وغيره من الكوفيين محكي بترك في موضع نصب بها أي تركنا عليه هذا الكلام بعينه
وقال آخرون : هو محكي بقول مقدر أي تركنا عليه في الآخرين قولهم سلام على نوح والمراد أبقينا له دعاء الناس وتسليمهم عليه أمة بعد أمة وقيل : هذا سلام منه عز و جل لا من الآخرين هو مفعول ومفعول تركنا محذوف أي تركنا عليه الثناء الحسن وأبقيناه له فيمن بعده إلى آخر الدهر ونسب هذا إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وجملة سلام على نوح معمول لقول مقدر على ما ذكر الخفاجي أي وقلنا سلام الخ وقال أبو حيان : مستأنفة سلم الله تعالى عليه السلام ليقتدي بذلك البشر فلا يذكره أحد بسوء وقرأ عبد الله سلاما بالنصب على أنه مفعول تركنا وقوله تعالى : في العالمين
79
- متعلق بالظرف لنيابته عن عامله أو بما تعلق الظرف به وجوز كونه حالا من الضمير المستتر فيه وأيا ما كان فهو من تتمة الجملة السابقة وجيء به للدلالة على الإعتناء التام بشأن السلام من حيث أنه أفاد الكلام عليه ثبوته في العالمين من الملائكة والثقلين أو أنه حال كونه في العالمين على نوح وهذا كما تقول سلام على زيد في جميع الأمكنة وفي جميع الأزمنة وزعم بعضهم جواز جعله بدلا من قوله تعالى في الآخرين ويوشك أن يكون غلطا كما لا يخفى
وقوله تعالى إنا كذلك نجزي المحسنين
80
- تعليل لما فعل به مما قصه الله عز و جل بكونه عليه السلام من زمرة المعروفين بالإحسان الراسخين فيه فيكون ما وقع من قبيل مجازاة الإحسان بالإحسان وإحسانه مجاهدته أعداء الله تعالى بالدعوة إلى دينه والصبر الطويل على اذاهم ونحو ما ذكر وذلك إشارة إلى ما ذكر من الكرامات السنية التي وقعت جزاء له عليه السلام وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته في الفضل والشرف والكاف متعلقة بما بعدها أي مثل ذلك الجزاء الكامل نجزي الكاملين في الإحسان لا جزاء أدنى منه وقوله تعالى : إنه من عبادنا المؤمنين
81
- تعليل لكونه عليه السلام محسنا المفهوم من الكلام بخلوص عبوديته وكمال إيمانه وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى وإلا فمنصب الرسالة منصب عظيم والرسول لا ينفك عن الخلوص بالعبودية وكمال الإيمان فالمقصود بالصفة مدحها نفسها لا مدح موصوفها ثم أغرقنا الآخرين
82
- أي المغايرين لنوح عليه السلام وأهله وهم كفار قومه أجمعين وثم للتراخي الذكرى إذ بقاؤه عليه السلام ومن معه متأخر عن الإغراق وإن من شيعته أي ممن شايع نوحا وتابعه في أصول الدين لأبراهيم
83
- وإن اختلفت فروع شريعتيهما أو ممن شايعه في التصلب في دين الله تعالى ومصابرة المكذبين ونقل هذا عن ابن عباس وجوز أن يكون بين شريعتيهما اتفاق كلي أو أكثري وللأكثر حكم الكل ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أن نوحا عليه السلام لم يرسل إلا بالتوحيد ونحوه من أصول العقائد ولم يرسل بفروع قيل : وكان بين إبراهيم وبينه عليهما السلام نبيان هود وصالح لا غير ولعله أريد بالنبي الرسول لا ما هو أعم منه وهذا بناء على أن ساما كان نبيا وكان بينهما على ما في جامع الأصول ألف سنة ومائة واثنتان وأربعون سنة وقيل ألفان وستمائة وأربعون سنة
وذهب الفراء إلى أن ضمير شيعته لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم والظاهر ما أشرنا إليه وهو المروي عن ابن عباس