كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

أولا خلق الأرض في يومين وحاصله أنه لو قيل ذلك لكان يجوز أن يراد باليومين الأولين والآخيرين أكثرهما وإنما لم يقل خلق الأرض في يومين كاملين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين كاملين أو خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين تلك أربعة سواء لأن ما أورده سبحانه أخصر وأفصح وأحسن طباقا لما عليه التنزيل من مغاصات القرائح ومصاك الركب ليتميز الفاضل من الناقص والمتقدم من الناكص وترتفع الدرجات وتتضاعف المثوبات
وقال بعض الأجلة : إن في النظم الجليل دلالة أي مع الإختصار على أن اليومين الأخيرين متصلان باليومين الأولين لتبادره من جعلهما جملة واحدة واتصالهما في الذكر وقوله تعالى : للسائلين
10
- متعلق بمحذوف وقع خبر لمبتدأ محذوف أي هذا الحصر في أربعة كائن للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها ولا ضير في توالي حذف مبتدأين بناء على ما آثره الزمخشري في الجار والمجرور قبل وقيل هو متعلق بقدر السابق أي وقدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين وقيل : متعلق بمقدر هو حال من الأقوات والكل لا يستقيم إلا على ما آثره الزجاج دون ما آثره الزمخشري لأن الفذلكة كما يعلم مما سبق لا تكون إلا بعد تمام الجملتين فلا يجوز أن تتوسط بين الجملة الثانية وبعض متعلقاتها وقيل متعلق بسواء على أنه حال من الضمير والمعنى مستوية مهيأة للمحتاجين أو به على قراءة الرفع وجعله خبر مبتدأ محذوف أي هو أي أمر هذه المخلوقات ونفعها مستو مهيأ للمحتاجين إليه من البشر وهو كما ترى ثم استوى إلى السماء أي قصد إليها وتوجه دون إرادة تأثير في غيرها من قولهم : استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه لا يلوي على غيره
وذكر الراغب أن الإستواء متى عدي بعلى فبمعنى الإستيلاء كقوله تعالى : الرحمن على العرش استوى وغذا عدي بإلى فبمعنى الإنتهاء إلى الشيء إما بالذات أو بالتدبير وعلى الثاني قوله تعالى : ثم استوى إلى السماء الآية وكلام السلف في الإستواء مشهور
وقد ذكرنا فيهما سلف طرفا منه يشعر ظاهر المعنى كلام البعض أن في الكلام مضافا محذوفا أي ثم استوى إلى خلق السماء وهي دخان أمر ظلماني ولعله أريد به مادتها التي تركبت وأنا لا أقول بالجواهر الفردة لقوة الأدلة على نفيها ولا يلزم من ذلك محذور أصلا كما لا يخفى على الذكي المنصف وقيل : إن عرشه تعالى كان قبل خلق السماوات والأرض على الماء فأحدث الله تعالى في الماء سخونة فارتفع زبد ودخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق الله تعالى فيه اليبوسة وأحدث سبحانه منه الأرض وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق الله تعالى منه السماوات
وقيل : كان هناك ياقوتة حمراء فنظر سبحانه إليها بعين الجلال فذابت وصارت ماء فأزبد وارتفع منه دخان فكان ما كان وأيا ما كان فليس الدخان كائنا من النار التي هي إحدى العناصر لأنها من توابع الأرض ولم تكن موجودة غذ ذاك على قول كما ستعرف إن شاء الله تعالى وعلى القول بالوجود لم يذهب أحد إلى تكون ذلك من تلك النار والحق الذي ينبغي أن لا يلتفت إلى سواه أن كرة النار التي يزعمها الفلاسفة المتقدمون ووافقهم كثير من الناس عليها ليست بموجودة ولا توقف لحدوث الشهب على وجودها كما يظهر لذي ذهن ثاقب

الصفحة 102