كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
فقال لها وللأرض أئتيا بما خلقت فيكما من المنافع فليس المعنى على إتيان ذاتهما وإيجادهما بل إتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير قيل ولا بد على هذا أن يكون المترتب بعد جعل السماوات سبعا أو مضمون مجمل الجمل المذكورة بعد الفاء وإلا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلق الأرض والسماء
وقال بعض : الكلام على التقديم والتأخير والأصل ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقضاهن سبع سماوات الخ فقال لها وللأرض ائتيا الخ وهو أبعد من القيل والقال إلا أنه خلاف الظاهر أو كونا وإحداثا على وجه معين وفي وقت مقدر لكل منكما فالمراد إتيان ذاتهما وإيجادهما فالأمر للتكوين على أن خلق وجعل وبارك وقدر بالمعنى الذي حكيناه عن إرشاد العقل السليم ويكون هذا شروعا في بيان كيفية التكوين أثر بيان كيفية التقدير ولعل تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وما فيها لما أن بيان اعتنائه تعالى بأمر المخاطبين وترتيب مباديء معايشهم قبل خلقهم مما يحملهم على الإيمان ويزجهم عن الكفر والطغيان وخص الإستواء بالسماء مع أن الخطاب المترتب عليه متوجه إليهما معا اكتفاء بذكر تقدير الأرض وتقدير ما فيها كأنه قيل : فقيل لها وللأرض التي قدر وجودها ووجود ما فيها كونا وإحداثا وهذا الوجه هو الذي قدمه صاحب الإرشاد وذكره غيره احتمالا وجعل الأمر عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوجودهما تعلقا فعليا بطريق التمثيل من غير أن يكون هناك آمر ومأمور كما قيل في قوله تعالى : كن وقوله تعالى : طوعا أو كرها تمثيلا لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما واستحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع والكره لهما وهما مصدران وقعا موقع الحال أي طائعتين أو كارهتين وقوله تعالى : قالتا أتينا طائعين
11
- أي منقادين تمثيلا لكمال تأثرهما عن القدرة الربانية وحصولهما كما أمرا به وتصويرا لكون وجودهما كما هما عليه جاريا على مقتضى الحكمة البالغة فإن الطوع مبني عن ذلك والره موهم لخلافه وقيل : طائعين يجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء باعتبار كونهما في معرض الخطاب والجواب ولا وجه للتأنيث عند إخبارهم عن أنفسهم لكون التأنيث بحسب اللفظ فقط وقوله تعالى : فقضاهن سبع سماوات في يومين تفسرا وتفصيلا لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر وجوابه لا أنه فعل مترتب على تكوينهما أي خلقهن خلقا إبداعيا أو أتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة في وقتين وضمير هن إما للسماء على المعنى لأنه بمعنى السماوات ولذا قيل : هو اسم جمع فسبع حال من الضمير وإما مبهم يفسره ما بعده على أنه تمييز فهو له وإن تأخر لفظا ورتبة لجوازه في التمييز نحو ربه رجلا وهو وجه عربي
وقال أبو حيان : انتصب سبع على الحال وهو حال مقدرة وقال بعضهم : بدل من الضمير وقيل : مفعول به والتقدير قضى منهن سبع سماوات وقال الحوفي : على أنه مفعول ثان على تضمين القضاء معنى التصيير ولم يذكر مقدار زمن خلق الأرض وخلق ما فيها اكتفاء بذكره في بيان تقديرهما وقوله تعالى : وأوحى في كل سماء أمرها عطفا على قضاهن أي خلق في كل منها ما استعدت له واقتضت الحكمة أن يكون فيها من الملائكة والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى كما يقتضيه كلام السدي وقتادة فالوحي عبارة عن التكوين كالأمر مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت أو أوحي إلى أهل كل منها أو أمره وكلفهم