كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

لغة العرب غير تابع فيها لليهود والجواب الثاني خلاف الظاهر جدا
ونقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أن خلق السماء مقدم على إيجاد الأرض فضلا عن دحوها واختاره الإمام ونسبه بعضهم إلى بعض المحققين من المفسرين وأولوا الآية بأن الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد بل هو عبارة عن التقدير والمراد به في حقه تعالى حكمه تعالى أن سيوجد وقضاؤه عز و جل بذلك مثله في قوله تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ولا بد على هذا من تأويل جعل وبارك بنحو ما سمعت عن الإرشاد وجوز أن يبقى خلق وكذا ما بعده على ما يتبادر منه ويكون الكلام على إرادة الإرادة كما في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة أي بالذي أراد خلق الأرض في يومين وأراد أن يجعل فيها رواسي وقالوا : إن ثم للتفاوت في الرتبة المنزلة منزلة التراخي الزماني كما في قوله تعالى : ثم كان من الذين آمنوا فإن اسم كان ضمير يرجع إلى فاعل فلا اقتحم وهو الإنسان الكافر وقوله سبحانه : فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة تفسير للعقبة والترتيب الظاهري يوجب تقديم الإيمان عليه لكن ثم هنا للتراخي في الرتبة مجازا وفي الكشف أن ما نقله الواحدي لا إشكال فيه ويتعين ثم في هذه السورة والسجدة على تراخي الرتبة وهو أوفق لمشهور قواعد الحكماء لكن لا يوافق ما جاء من أن الإبتداء من يوم الأحد كان وخلق السماوات وما فيها من يوم الخميس والجمعة وفي آخر يوم الجمعة ثم خلق آدم عليه السلام وفي البحر الذي نقوله : إن الكفار وبخوا وقرعوا بكفرهم بمن صدرت عنه هذه الأشياء جميعها من غير ترتيب زماني وإن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الزمان والمهلة كأنه قال سبحانه بالذي أخبرهم أنه خلق الأرض وجعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء فلا تعارض في الآية لترتيب الوقوع الترتيب الزماني ولما كان خلق السماء أبدع في القدرة من خلق الأرض استؤنف الإخبار فيه بثم فهي لترتيب الأخبار كما في قوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا بعد قوله سبحانه فلا اقتحم العقبة وقوله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب بعد قوله عز و جل قل تعالوا أتل ويكون قوله جل شأنه فقال لها وللأرض بعد إخباره تعالى بما أخبر به تصويرا لخلقهما على وفق إرادته تعالى كقولك أرأيت الذي أثنيت عليه فقلت له إنك عالم صالح فهذا تصوير لما أثنيت به وتفسير له فكذلك أخبر سبحانه بأنه خلق كيت وكيت فأوجد ذلك إيجادا لم يتخلف عن إرادته انتهى وظاهر ما ذكره في قوله تعالى فقال لها الخ أن القول بعد الإيجاد وقال بعض الأجلة يجوز أن يكون ذلك للتمثيل أو التخييل للدلالة على أن السماء والأرض محلا قدرته تعالى يتصرف فيهما كيف يشاء إيجادا وإكمالا ذاتا وصفة ويكون تمهيدا لقوله سبحانه فقضاهن أي لما كان الخلق بهذه السهولة قضي السماوات وأحكم خلقها في يومين فيصح هذا القول قبل كونهما وبعده وفي أثنائه إذ ليس الغرض دلالة على وقوع
وذكر في نكتة خلق الأرض وما فيها في الذكر ههنا وفي سورة البقرة على خلق السماوات والعكس في سورة النازعات أنها يجوز أن يكون أن المقام في الأوليين مقام الإمتنان وتعداد النعم فمقتضاه تقديم ما هو أقرب النعم إلى المخاطبين والمقام في الثالثة مقام بيان كمال القدرة فمقتضاه تقديم ما هو أدل على كمالها وروي عن الحسن أنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما الآية
وجعله بعضهم دليلا على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء وفي الإرشاد أنه ليس في ذلك فإن بسط

الصفحة 107