كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

والأرض وما بينهما في ستة أيام ولا يعكر على ذلك ما روي عن الصادق أن الله سبحانه خلق في يوم الأحد والإثنين الأرضين وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء وخلق السماوات في يوم الأربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها يوم الجمعة وذلك قول الله سبحانه : خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام لأنه بعد تسليم صحته المذكور فيه أن الأقوات قد خلقت في يومين لا أنها قدرت وبين الخلق والتقدير بون بعيد فخلق الأقوات عبارة عن إيجاد ذاتياتها وموادها وعللها وأسبابها فإذا وجدت قدرت وفصلت على الأطوار المعلومة فلا إشكال
والعجب ممن استشكل هذا المقام كيف لم ينظر في مدلولات الألفاظ الإلهية بحسب القواعد القرآنية واللغوية فاحتاج في حله إلى تكلفات أمور خفية وارتكاب توجيهات غير مرضية ثم إن هذا البعض ذكر لليوم ما يزيد على ستين إطلاقها منها المرتبة ونقل هذا عن شيخه ورأيته في بعض الكتب لغيره وجوز إرادته في الآية وكذا جوز إرادته غيره من الأطلاقات وذكر سركون خلق السماوات والأرض في ستة أيام وأطال الكلام في هذا المقام وكان ذلك ضمن رسالة ألفها حين طلبت منه جوابا عما يظن من المنافاة غير ما ذكروه من الجواب عن ذلك ومن وقف على تلك الرسالة سمع منها قعقعة بلا سلاح وأحس بطيران في جو ما يزعمه تحقيقا بلا جناح فكم فيها من قول لا سند له ومدعي لم يورد دليله فعليك بالتأمل التام فيما ذكره المفسرون وما ذكره هذا الرجل من الكلام ولا تك للإنصاف مجانبا وللتعصب مصاحبا والله تعالى الموفق
وما تقدم من حمل قوله تعالى : قالتا أتينا طائعين على التمثيل هو ما ذهب إليه جماعة من المفسرين وقالت طائفة : إنهما نطقتا نطقا حقيقيا وجعل الله تعالى لهما حياة وإدراكا قال ابن عطية : وهذا أحسن لأنه لا شيء يدفعه وإن العبرة فيه أتم والقدرة فيه أظهر ولا يخفى أن المعنى الأول أبلغ ومن ذهب إلى أن للجمادات إدراكا لائقا بها قال بظاهر الآية ولعلها إحدى أدلته على ذلك وذكر بعضهم في قوله سبحانه : وأوحى في كل سماء أمرها أنه سبحانه خص كل سماء بما ميزها عن السماء الأخرى من الذاتيات وجعل ذلك وجها في جميع السماوات وإفراد الأرض وقرأ الأعمش أو كرها بضم الكاف قال أبو حيان : والأصح أنها لغة في الإكراه على الشيء والأكثر على أن الكره بالضم معناه المشقة فإن أعرضوا متصل بقوله تعالى : قل أئنكم الخ أي فإن أعرضوا عن التدبر فيما ذكر من عظائم الأمور الداعية إلى الإيمان أو عن الإيمان بعد هذا البيان فقل لهم : أنذرتكم أي أنذركم وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الإنذار المنبيء عن تحقق المنذر صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود
13
- أي عذابها مثل عذابهم قاله قتادة وهو ظاهر على القول بأن الصاعقة تأتي في اللغة بمعنى العذاب ومنع ذلك بعضهم وجعل ما ذكر مجازا والمراد عذابا شديد الوقع كأنه صاعقة مثل صاعقتهم وأيا ما كان فالمراد أعلمتكم حلول صاعقة
وقرأ ابن الزبير والسلمي وابن محيصن صعقة مثل صعقة بغير ألف فيهما وسكون العين وهي المرة من الصعق أو الصعق ويقال : صعقته الصاعقة صعقا فصعق صعقا بالفتح أي هلك بالصاعقة المصيبة له إذ جاءتهم الرسل أي جاءت عادا وثمود ففيه إطلاق الجمع على الإثنين وهو شائع وكذا الرسل

الصفحة 109