كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

الجر أي بأن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا مفعول المشيئة محذوف وقدره الزمخشري إرسال الرسل أي لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة أي لأرسلهم لكن لما كان إرسالهم بطريق الإنذار قيل : لأنزل قيل : ولم يقدر إنزال الملائكة بناء على أن الشائع تقدير مفعول المشيئة بعد لو الشرطية من مضمون الشرط لأنه عار عن إفادة ما أرادوه من نفي إرساله تعالى البشر والشائع غير مطرد وقال أبو حيان : إنما التقدير لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم وهذا أبلغ في الإمتناع من إرسال البشر إذ علقوا ذلك بإنزال الملائكة وهو سبحانه لم يشأ ذلك فكيف يشاؤه في البشر وهو وجه حسن
فإنا بما أرسلتم به أي بالذي أرسلتم به على زعمكم وفيه ضرب تهكم بهم كافرون
14
- لما أنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا والفاء فاء النتيجة السببية فيكون في الكلام إيماء إلى قياس استثنائي أي لكنه لم ينزل ويجوز أن تكون تعليلية لشرطيتهم أي إنما قلنا ذلك لأنا منكرون لما أرسلتم به كما ننكر رسالتكم و ما كما أشرنا إليه موصولة وكونها مصدرية وضمير به لقولهم : أن لا تعبدوا إلا الله خلاف الظاهر أخرج البيهقي في الدلائل وابن عسائر عن جابر بن عبد الله قال : قال أبو جهل والملأ من قريش قد التبس علينا أمر محمد صلى الله عليه و سلم فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه فقال له يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب فلم يجبه قال : فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك وإن كان بك الباءة زوجناك عشرة نسوة تختار من أي بنات قريش ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قال عليه الصلاة و السلام : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا فقرأ حتى بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وصمود فأمسك عتبة على فيه عليه الصلاة و السلام فأنشده الرحم أن يكف عنه ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فلما احتبس عنهم قال أبو جهل : يا معشر قريش ما أرى عقبة إلا قد صبا إلى محمد صلى الله عليه و سلم وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة إصابته انتقلوا بنا إليه فأتوه فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره فإن كنت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد صلى الله عليه و سلم فغضب وأقسم باللهم تعالى لا يكلم محمدا عليه الصلاة و السلام أبدا وقال : لقد علمتم أني أكثر قريش مالا ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة قرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا حتى أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأمسكت بفيه وناشدته الرحم فكف وقد علمتم أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب فأما عاد فاستكبروا في الأرض شروع في تفصيل ما لكل واحدة من الطائفتين من الجناية والعذاب ولتفرع التفصيل على الإجمال قرن بفاء السببية وبديء بقصة عاد لأنها أقدم زمانا أي فأما عاد فتعظموا في الأرض التي لا ينبغي التعظم فيها على أهلها بغير الحق أي بغير استحقاق للتعظم

الصفحة 111