كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

وقيل : تعظموا عن امتثال أمر الله عز و جل وقبول ما جاءتهم به الرسل وقالوا اغترارا بقوتهم : من أشد منا قوة أي لا أشد منا قوة فالإستفهام إنكاري وهذا بيان لاستحقاقهم العظمة وجواب الرسل عما خوفوهم به من العذاب وكانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل ويرفعها بيده أو لم يروا أي أغفلوا ولم ينظروا أو ولم يعلموا علما جليا شبيها بالمشاهدة والعيان أن الله الذي خلقكم هو أشد منهم قوة قدرة فإنه تعالى قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى قوي على ما لا يقدر عليه غيره عز و جل مفيض للقوة والقدر على كل قوي وقادر وفي هذا إيماء إلى أن ما خوفهم به الرسل ليس من عند أنفسهم بناء على قوة منهم وإنما هو من الله تعالى خالق القوى والقدر وهم يعلمون أنه عز و جل أشد قوة منهم وتفسير القوة بالقدرة لأنه أحد معانيها كما يشير إليه كلام الراغب
وزعم بعضهم أن القوة عرض بنزه الله تعالى عنه لكنها مستلزمة للقدرة فلذا عبر عنها بها مشاكلة وأورد في حيز الصلة خلقهم دون خلق السماوات والأرض لادعائهم الشدة في القوة وفيه ضرب من التهكم بهم وكانوا بآياتنا يجحدون
15
- أي ينكرونها وهم يعرفون حقيتها وهو عطف على فاستكبروا أو قالوا فجملة أو لم يروا الخ مع ما عطف هو عليه اعتراض وجوز أن يكون هو وحده اعتراضا والواو اعتراضية لا عاطفة
فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا قال مجاهد : شديدة السموم فهو من الصر بفتح الصاد بمعنى الحر وقال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي : باردة تهلك بشدة بردها من الصر بكسر الصاد وهو البرد الذي يصر أي يجمع ظاهر جلد الإنسان ويقبضه والأول أنسب لديار العرب وقال السدي أيضا وأبو عبيدة وابن قتيبة والطبري وجماعة : مصوتة من صريصر إذا صوت وقال ابن السكيت : صرصر يجوز أن يكون من الصرة وهي الصيحة ومنه فأقبلت امرأته في صرة وفي الحديث أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا وروي أنها كانت تحمل العير بأوقارها فترميهم في البحر في أيام نحسات جمع نحسة بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس نحسا كعلم علما نقيض سعد سعدا
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج نحسات بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدرا وصف به مبالغة واحتمل أن يكون صفة مخففا من فعل كصعب وفي البحر تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلا بسكون العين وإنما ذكروا نعلا بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلا كسالم وهو صفة أيام وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصين فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال : الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعودا وتفسير نحسات بمشائيم مروي عن مجاهد وقتادة والسدي وقال الضحاك : أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد :

الصفحة 112