كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

كانت المغفرة مشروطة بالتوبة كما لا يخفى وكذا ما أخرجه ابن جرير عن ابن سيرين قال : قال علي كرم الله تعالى وجهه أي آية أوسع فجعلوا يذكرون آيات من القرآن من يعمل سؤا أو يظلم نفسه الآية ونحوها فقال علي كرم الله تعالى وجهه : ما في القرآن أوسع آية من يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية
والمؤكدات السابقة أعني السبعة عشر لا يخلو بعضها عن بحث والظاهر أن مغفرة ذنب لا تجامع العذاب عليه أصلا وذهب بعضهم إلى أنها تجامعه إذا كان أنقص من الذنب لا إذا كان بمقداره فمن عذلب بمقدار ذنبه في النار وأخرج منها لا يقال إنه غفر له إذ السيئات إنما تجزى بأمثالها وقيل : تجامعه مطلقا وكون السيئات لا تجزى إلا بأمثالها بلفظه تعالى أيضا فهو نوع من عفوه عز و جل وفيه ما فيه فتأمل وأصل الإنابة الرجوع
ومعنى وأنيبوا إلى ربكم الخ أي ارجعوا إليه سبحانه بالإعراض عن معاصيه والندم عليها وقيل : بالإنقطاع إليه تعالى بالعبادة وذكر الرب كالتنبيه على العلة وقال القشيري : الإنابة الرجوع بالكلية والفرق بين الإنابة والتوبة أن التائب يرجع من خوف العقوبة والمنيب يرجع استحياء لكرمه تعالى والإسلام له سبحانه الإخلاص في طاعاته عز و جل وذكر أن الإخلاص بعد الإنابة أن يعلم العبد أن تجافه بفضل الله تعالى لا بإنابته فبفضله سبحانه وصل إلى إنابته لا بإنابته وصل إلى فضله جل فضله وعن ابن عباس من حديث أخرجه ابن جرير وابن المنذر عنه من آيس العباد من التوبة فقد جحد كتاب الله تعالى ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله تعالى عليه واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم الظاهر أنه خطاب للعباد المخاطبين فيما تقدم سواء أريد بهم المؤمنون أو ما يعمهم والكافرين والمراد بما أنزل القرآن وهو كما أنزل إلى المؤمنين أنزل إلى الكافرين ضرورة أنه أنزل عليه صلى الله عليه و سلم لدعوة الناس كافة والمراد بأحسنه ما تضمن الإرشاد إلى خير الدارين دون القصص ونحوها أو المأمورية أو العزائم أو الناسخ وأفعل على الأول والثالث على ظاهره وعلى الثاني والرابع فيه احتمالان وقيل : لعل الأحسن ما هو أنجي وأسلم كالإنابة والمواظبة على الطاعة وأفعل فيه على ظاهره أيضا وجوز أن يكون الخطاب للجني والمراد بما أنزل الكتب السماوية وبأحسنه القرآن وفيه ارتكاب خلاف الظاهر وفي ذكر الرب ترغيب في الإتباع من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة أي فجأة وأنتم لا تشعرون
55
- لا تعلمون أصلا بمجيئه فتتداركون ما يدفعه أن تقول نفس في موضع المفعول له بتقدير مضاف وقدره الزمخشري كراهة وهو منصوب بفعل محذوف يدل عليه ما قيل أي أذنركم وأمركم بأحسن ما أنزل إليكم كراهة أن تقول ومن لا يشترط للنصب اتحاد الفاعل يجوز كون الناصب أنيبوا أو اتبعوا وأيا ما كان فهذه الكراهة مقابل الرضا دون الإرادة فلا اعتزال في تقديرها وهو أولى من تقدير مخافة كما فعل الحوفي حيث قال : أي أنذرناكم مخافة أن تقول وابن عطية جعل العامل أنيبوا ولم يقدر شيئا من الكرامة والمخافة حيث قال : أي أنيبوا من أجل أن تقول وذهب بعض النحاة إلى أن التقدير لئلا تقول وتنكير نفس للتكثير بقرينة المقام كما في قول الأعشى : ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا فإنه أراد أفواجا من الكرام ينصرونه لا كريما واحدا وجوز أن يكون للتبعيض لأن القائل بعض الأنفس واستظهره أبو حيان قيل : ويكفي ذلك في الوعيد لأن كل نفس يحتمل أن تكون تلك وجوز أيضا أن

الصفحة 16