كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
يكون للتعظيم أي نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج شديد أو بعذاب عظيم وليس بذاك يا حسرتي بالألف بدل ياء الإضافة والمعنى كما قال سيبويه يا حسرتي احضري فهذا وقتك وقرأ ابن كثير في الوقف يا حسرتاه بهاء السكت وقرأ أبو جعفر يا حسرتي بياء الإضافة وعنه يا حسرتي بالألف والياء التحتية مفتوحة أو ساطنة جمعا بين العوض والمعوض كذا قيل ولا يخفى أن مثل هذا غير جائز اللهم إلا شاذا استعمالا وقياسا فالأوجه أن يكون ثني الحسرة مبالغة على نحو لبيك وسعديك وأقام بين ظهريهم وظهرانيهم على لغة بلحرث بن كعب من إبقاء المثنى على الألف في الأحوال كلها واختار ذلك صاحب الكشف وجوز أبو الفضل الرازي في كتابه اللوامح أن تكون التثنية على ظاهرها على تلك اللغة والمراد حسرة فوت الجنة وحسرة دخول النار واعتبار التكثير أولى لكثرة حسراتهم يوم القيامة على ما فرطت أي بسبب تفريطي فعلى تعليلية و ما مصدرية كما في قوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم والتفريط التقصير في جنب الله أي جائبه قال الراغب : أصل الجنب الجارحة ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال والمراد هنا الجهة مجازا والكلام على حذف مضاف أي في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى أي ما يحق له سبحانه ويلزم وهو طاعته عز و جل وعلى ذلك قول سابق البربري من شعراء الحماسة : أما تتقين الله في جنب عاشق له كبد جري عليك تقطع والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة نفسها لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني ونظير ذلك قول زياد الأعجم : إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج ولا مانع من أن يكون للطاعة وكذا حق الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه جهة بالتبعية للمطيع كمكان السماحة وما معها في البيت ومما ذكرنا يعلم أنه لا مانع من الكناية كما توهم وقال الإمام : سمي الجنب لأنه جانب من جوانب الشيء والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه فلما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة انتهى وجعلوا في الكلام عليه استعارة تصريحية وليس هناك مضاف مقدر وليس بذاك وقول ابن عباس : يريد على ما ضيعت من ثواب الله ومقاتل : على ما ضيعت من ذكر الله ومجاهد والسدي : على ما فرطت في أمر الله والحسن : في طاعة الله وسعيد بن جبير : في حق الله بيان لحاصل المعنى وقيل : الجنب مجاز على الذات كالجانب أو المجلس يستعمل مجازا لربه فيكون المعنى على ما فرطت في ذات الله وضعف بأن الجنب لا يليق إطلاقه عليه تعالى ولو مجازا وركاكته أيضا وقيل : هو مجاز على القرب أي على ما فرطت في قرب الله وضعف بأنه محتاج إلى تجوز آخر ويرجع الأمر في الآخرة إلى طاعة الله تعالى ونحوها وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عز و جل من الجنب بالمعنى الحقيقي
ولم أقف على أحد من السلف إياه من الصفات السمعية ولا أعول على ما في المواقف وعلى فرض العد