كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

الكريمة ما قدمنا ولا يبعد أن يكون حكم كل من كذب على الله تعالى عالما بأنه كذب عليه سبحانه أو غير عالم لكنه مستند إلى شبهة واهية كذلك وكلام الحسن أن صح لا أظنه إلا من باب التمثيل وتعريض الزمخشري باهل الحق بما عرض خارج عن دائرة العدل فما ذهبوا إليه ليس من الكذب على الله تعالى في شيء والكذب فيه وفي أصحابه ظاهر جدا وقرأ أبي أجوههم بإبدال الواو همزة وينجي الله الذين اتقوا ما اتصف به لأأولئك المتكبرون من جهنم وقريء ينجي بالتخفيف من الإنجاء بمفازتهم اسم مصدر كالفلاح على ما في الكشف أو مصدر ميمي على ما في غيره من فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه وقال الراغب : هي مصدر فاز أو اسم الفوز ويراد بها الظفر بالغيبة على أتم وجه كالفلاح وبه فسرها السدي والباء للملابسة متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول مفيدة لمقارنة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب أي ينجيهم الله تعالى من جهنم مثوى المتكبرين لتقواهم مما اتصف المتكبرون به ملتبسين بفلاحهم وظفرهم بالبغية وهي الجنة ومآله ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة وكون الجنة بغية المتقي كائنا من كان مما لا شبهة فيه نعم هي بغية لبعض اتلمتقين من حيث أنها محل رؤية محبوبهم التي هي غاية مطلوبهم ولك أن تعمم الغيبة وقوله تعالى : لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون
61
- في موضع الحال أيضا إما من الموصول أو من ضمير مفازتهم مفيدة لكونهم من التنجيه أو الفوز منفيا عنهم على الدوام مساس جنس السوء والحزن والظاهر أن هذه الحال مقدرة وقيل : إنها مقارنة مفيدة لكون تنجيتهم أو مفازتهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن ولا يخفى أنه لا يتسنى بالنسبة إلى جميع المتقين إذ منهم من يمسه العذاب ويحزن لا محالة وعد وجود ذلك لقتلته وانقطاعه كلا وجود تكلف بعيد وجوز أن يراد بالمفازة الفلاح ويجعل قوله تعالى : لا يمسهم الخ استئنافا لبيانها كأنه قيل : ما مفازتهم فقيل : لا يمسهم الخ
والباء حينئذ على ما في الكشف سببية متعلقة بينجي أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم وتعقب بأن في جعل عدم الحزن وعدم السوء سبب النجاة تكلفا فهما من النجاة والظاهر أنه لو جعلت الباء على هذا الوجه أيضا للملابسة لا يرد ذلك وجوز كون المفازة اسم مكان أي محل الفوز وفسرت بالمنجاة مكان النجاة وصح ذلك لأن النجاة فوز فلاح وجعلت الباء عليه للسببية وهناك مضاف محذوف بقرينة باء السببية وإن المنجاة لا تصلح سببا أي ينجيهم منجاتهم وهو الإيمان وهو كالتصريح بما اقتضاه تعليق الفعل بالموصول السابق وفسره الزمخشري بالأعمال الصالحة وقواه بما حكاه عن ابن عباس ليتم مذهبه أو لا مضاف بل هناك مجاز بتلك القرينة من إطلاق اسم المسبب على السبب والجملة بعد على الإحتمالين في هذا الوجه حال ولا يخفى أن المفازة بمعنى المنجاة مكان النجاة هي الجنة والإيمان أو العمل الصالح ليس سببا لها نفسها وإنما هو سبب دخولها فلا بد من اعتباره فلا تغفل وجوز أن تكون المفازة مصدرا ميميا من فاز منه أي نجا منه يقال : طوبى لمن فاز بالثواب وفاز من العقاب أي ظفر به ونجا والباء إما للملابسة والجملة بيان للمفازة أي ينجيهم الله تعالى ملتبسين بنجاتهم الخاصة لهم أي بنفي السوء عنهم ولا يخفى ركاكة هذا المعنى وإما للسببية إما على حذف المفاف أو التجوز نظير ما مر آنفا ولا يحتاج هنا إلى اعتبار الدخول كما لا يخفى والجملة في موضع الحال أيضا
وجوز على بعض الأوجه تعلق بمفازتهم بما بعده ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وبالجملة الإحتمالات العقلية في الآية كثيرة لأن المفازة إما اسم مصدر أو مصدر ميمي أو اسم مكان من فاز به ظفر أو من فاز منه نجا والباء إما

الصفحة 20