كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

للملابسة أو للسببية أو للإستعانة وهي إما متعلقة بما قبلها أو بما بعدها وهذه ستة وثلاثون احتمالا وإذا ضممت إليها احتمال حذف المضاف في بمفازتهم بمعنى منجاتهم أو نجاتهم واحتمال التجوز فيه كذلك وكذا احتمال كون جملة لا يمسهم الخ حالا من الموصول واحتمال كونها حالا من ضمير مفازتهم واحتمال كون الحال مقدرة وكونها مقارنة زادت كثيرا ولا يخفى أن فيها المقبول ودونه بل فيها ما لا يتسنى أصلا فأمعن النظر ولا تجمد وقرأ السلمي والحسن والأعرج والأعمش وحمزة والكسائي وأبو بكر بمفازاتهم جمعا لتكون على طبق المضاف إليه في الدلالة على التعدد صريحا الله خالق كل شيء من خير وشر وإيمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة المتصف بهما لأسبابهما فالآية رادة على المعتزلة ردا ظاهر وهو على كل شيء وكيل
62
- يتولى التصرف فيه كيفما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة وكأن ذكر ذلك للدلالة على أنه سبحانه الغني المطلق وإن المنافع راجعة إلى العباد ولك أن تقول : المعنى أنه تعالى حفيظ على كل شيء كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى : وما أنت عليهم بوكيل وحاصله أنه تعالى يتولى حفظ كل شيء بعد خلقه فيكون إشارة إلى احتياج الشياء إليه تعالى في بقائها كما أنها محتاجة إليه عز و جل في وجودها
له مقاليد السماوات والأرض أي مفاتيها كما قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم فقيل هو جمع لا واحد من لفظه وقيل : جمع مقليد وقيل : جمع مقلاد من التقليد بمعنى الإلزام ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره وكذا القلادة للزومها للعنق وجعل اسما للآلة المعروفة للإلزام بمعنى الحفظ وهو على جميع هذه الأقوال عربي والأشهر الأظهر كونه معربا فهو جمع أقليد معرب أكليد وهو جمع شاذ لأن أفعيل على مفاعيل مخالف للقياس وجاء أقاليد على القياس ويقال : في إكليد كليد بلا همزة وذكر الشهاب أنه بلغة الروم أقليدس وكليد منه والمشهور أن كليد فارسي ولم يشتهر في الفارسية أكليد بالهمز وله مقاليد كذا قيل : مجاز عن كونه مالك أمره ومتصرفا فيه بعلاقة اللزوم ويكنى به عن معنى القدرة والحفظ وجوز كون المعنى الأول كنائيا لكن قد اشتهر فنزل منزلة المدلول الحقيقي فكني به عن المعنى الآخر فيكون هناك كناية وقد يقتصر على المعنى الأول في الإرادة وعليه قيل هنا المعنى لا يملك أمر السماوات والأرض ولا يتمكن من التصرف فيها غيره عز و جل والبيضاوي بعد ذكر ذلك قال : هو كناية عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيه مزيد دلالة على الإستقلال والإستبداد لمكان اللام والتقديم وقال الراغب : مقاليد السماوات والأرض ما يحيط بها وقيل : خزائنها وقيل : مفاتيحها والإشارة بكلها إلى معنى واحد وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها انتهى
وجوز أن يكون المعنى لا يملك التصرف في خزائن السماوات والأرض أي ما أودع فيها واستعدت له من المنافع غيره تعالى ولا يخفى أن هذه الجملة إن كانت في موضع التعليل لقوله سبحانه : وهو على كل شيء وكيل على المعنى الأول فالأظهر الإقتصار في معناها على أنه لا يملك أمر السماوات والأرض أي العالم بأسره غيره تعالى فكأنه قيل : هو تعالى يتولى التصرف في كل شيء لأنه لا يملك أمره سواه عز و جل وإن كانت تعليلا له على المعنى الثاني فالأظهر الإقتصار في معناها على أنه لا قدرة عليها لأحد غيره جل شأنه فكأنه قيل : هو تعالى يتولى حفظ كل شيء لأنه لا قدرة لأحد عليه غيره تعالى وجوز أن تكون عطف بيان للجملة قبلها وأن تكون صفة وكيل وأن تكون خبرا بعد خبر فأمعن النظر في ذلك وتدبر وأخرج أبو يعلى ويوسف القاضي في

الصفحة 21