كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
بخسرانهم كما قال سبحانه : وينجي الخ للإشعار بأن العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاتهم مسندة له تعالى حادثة له يوم القيامة غير ثابتة قبل ذلك بالإستحقاق والأعمال بخلاف هلاك الكفرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال ولم يسند له تعالى ولم يعبر عنه بالمضارع أيضا وفي ذلك تصريح بالوعد وتعريض بالوعيد حيث قيل : الخاسرون ولم يقل الهالكون أو المعذبون أو نحوه وهو قضية الكرم
وعطف الجملة الإسمية على الفعلية مما لا شبهة في جوازه عند النحويين ومما ذكرنا يعلم رد قول الإمام الرازي : إن هذا الوجه ضعيف من وجهين : الأول وقوع الفصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه الثاني وقوع الإختلاف بينهما في الفعلية والإسمية وهو لا يجوز والإمام أبو حيان منع كون الفاصل كثيرا
وقال في الوجه الثاني : إنه كلام من لم يتأمل كلام العرب ولا نظر في أبواب الإشتغال نعم قال في الكشف يؤيد الإتصال بما يليه دون قوله تعالى : وينجي أن قوله سبحانه : وينجي الله متصل بقوله تعالى : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا فلو قيل بعده : والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون لم يحسن لأن الأحسن على هذا المساقف أن يقدم على قوله تعالى : وينجي الله على ما لا يخفى ولأنه كالتخلص إلى ما بعده من حديث الأمر بالعبادة والإخلاص إذ ذاك وهو كلام حسن ثم الحصر الذي يقتضيه تعريف الطرفين وضمير الفصل باعتبار الكمال كما أشرنا إليه لا باعتبار مطذلق الخسران فإنه لا يختص بهم وجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون
64
- أي أبعد الآيات المقتضية لعبادته تعالى وحده غير الله أعبد فغير مفعول مقدم لأعبد و تأمروني اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا له صلى الله تعالى عليه وسلم : استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ولذا نودوا بعنوان الجهل وجوز أن يكون أعبد في موضع المفعول لتأمروني على أن الأصل تأمروني أن أعبد فحذفت أن وارتفع الفعل كما قيل في قوله :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
ويؤيد قراءة من قرأ أعبد بالنصب و غير منصوب بما دل عليه تأمروني أعبد أي تعبدونني غير الله أي أتصيرونني عابدا غيره تعالى ولا يصح نصبه بأعبد لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها والمقدر كالموجود وقال بعضهم : هو منصوب به وأن بعد الحذف يبطل حكمها المانع عن العمل وقرأ ابن كثير تأمروني بالإدغام وفتح الياء
وقرأ ابن عامر تأمرونني بإظهار النونين على الأصل ونافع تأمروني بنون واحدة مكسورة وفتح الياء وفي تعيين المحذوف من النونين خلاف فقيل : الثانية لأنها التي حصل بها التكرار وقيل : الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك أي من الرسل عليهم السلام لئن أشركت أي بالله تعالى شيئا ما ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين
65
- الظاهر أن جملة لئن الخ نائب فاعل أوحي لكن في الكلام حذف والأصل أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك الخ وإلى الذين من قبلك مثل ذلك وقيل : لا حذف وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلى الله تعالى عليه وسلم والمرسلين الموحى إليهم فإنه أوحي لكل لئن أشركت الخ بالإفراد وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل ففي البحر أن إليك حينئذ نائب الفاعل والمعنى كما قال مقاتل أوحي إليك وإلى الذين