كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
من قبلك بالتوحيد وقوله تعالى : لئن أشركت الخ استئناف خوطب به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة وهو كما ترى وأيا ما كان فهو كلام على سبيل الفرض لتحييج المخاطب المعصوم وإقناط الكفرة والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه فالإستدلال بالآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم السلام كما في المواقف ليس بشيء فاحتمال الوقوع فرضا كاف في الشرطية لكن ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع شرعية ولا ما لقد ولئن موطئتان للقسم واللامان بعد للجواب وفي عدم تقييد الإحباط بالإستمرار على الإشراك إلى الموت دليل للحنفية الذاهبين إلى أن الردة تحبط الأعمال التي قبلها مطلقا نعم قالوا : لا يقضى منها بعد الرجوع إلى الإسلام إلا الحج ومذهب الشافعي أن الردة لا تحبط العمل السابق عليها مالم يستمر المرتد على الكفر إلى الموت وترك التقييد هنا اعتمادا على التصريح به في قوله تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد
وأجاب بعض الحنفية بأن الآية المذكورة توزيعا فأولئك حبطت أعمالهم ناظر إلى افرتداد عن الدين وأولئك أصحاب النار الخ ناظر إلى الموت على الكفر فلا مقيد ليحمل المطلق عليه ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في الصحابي إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم أو قبلها ولم يره هل يقال له : صحابي أم لا فمن ذهب إلى الإطلاق قال لا ومن ذهب إلى التقييد قال : نعم وقيل : يجوز أن يكون الإحباط مطلقا من خصائص النبي عليه الصلاة و السلام إذ شركه وحاشاه أقبح وفيه ضعف لأن الغرض تحذير أمته وتصوير فضاعة الكفر أمر يختص به لا يتعدى من النبي إلى الأمة لا اتجاه له مع أنه لا مستند له من نقل أو عقل والمراد بالخسران على مذهب الحنفية ما لزم من حبط العمل فكان الظاهر فتكون إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل للإشعار بأن من الإحباط والخسران يستقل في الزجر عن افشراك وقيل : الخلود في النار فيلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي عليه الرحمة
وقريء ليحبطن من أحبط عملك بالنصب أي ليحبطن الله تعالى أو الإشراك عملك وقريء بالنون ونصب عملك أيضا بل الله فاعبد رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم والفاء جزائية في جواب شرط مقدر كأنه قيل : إن كنت عابدا أو عاقلا فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا عنه وإلى هذا ذهب الزمخشري وسلفه في كونها جزائية الزجاج وأنكر أبو حيان كون التقديم عوضا عن الشرط ومذهب الفراء والكسائي أن الفاء زائدة بين المؤكد والمؤكد والاسم الجليل منصوب بفعل محذوف والتقدير الله اعبد فاعبده وقدر مؤخرا ليفيد الحصر
وفي الإنتصاف مقتضى كلام سيبويه أن الأصل تنبه فاعبد الله فحذفوا الفعل الأول اختصارا واستنكروا الإبتداء بالفاء ومن شأنها التوسط بين المعطوف والمعطوف عليه فقدموا المفعول فصارت الفاء متوسطة لفظا ودالة على المحذوف وانضاف إليها فائدة الحصر لإشعار التقديم بالإختصاص واعتبار الإختصاص قيل : مما لا بد منه لأنه لم يكن الكلام ردا عليهم فيما أمروه به لولاه فإنهم لم يطلبوا منه عليه الصلاة و السلام ترك عبادة الله سبحانه بل استلام آلهتهم والشرك به عز و جل اللهم إلا أن يقال : عبادة الله سبحانه مع الشرك