كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
كلا عبادة والله جل وعلا أغنى الشركاء فمن أشرك في عمله أحدا معه عز و جل فعمله لمن أشرك كما يدل عليه كثير من الأخبار وقرأ عيسى بل الله بالرفع وكن من الشاكرين
66
- إنعامه تعالى عليك الذي يضيق عنه نطاق الحصر وفيه إشارة إلى موجب الإختصاص وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه جل جلاله حق عظمته إذ عبدوا غيره تعالى وطلبوا من نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم عبادة غيره سبحانه قاله الحسن والسدي وقال المبرد : أصله من قولهم : فلان عظيم القدر يريدون بذلك جلالته وأصل القدر اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة وقال الراغب : أي ما عرفوا كنهه عز و جل وتعقب بأن معرفة كنهه تعالى أي حقيقته سبحانه لا يخص هؤلاء لتعذر الوقوف على الحقيقة ومن هنا العجز عن درك الإدراك إدراك والبحث عن كنه ذات الله إشراك ولا يخفى أن المسئلة خلافية وما ذكر على تقدير التسليم يمكن دفعه بالعناية نعم أولى منه ما قيل : أي ما عرفوه كما يليق به سبحانه حيث جعلوا له شريكا وظاهر كلام بعضهم أن الكلام على تقدير مضاف أي ما قدروا في أنفسهم وما تصوروا عظمة الله حق التصور فلم يعظموه كما هو حقه عز و جل حيث وصفوه بما لا يليق بشؤنه الجليلة من الشركة ونحوها وأيا ما كان فهو متعلق بما قبله من حيث أن فيه تجهليهم في الإشراك ودعائهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليه وقيل : المعنى ما وصفوا الله تعالى حق صفته إذ جحدوا البعث ووصفوه سبحانه بأنه خالق الخلق عبثا وأنه سبحانه عاجز عن الإعادة والبعث وهو خلاف الظاهر وعليه يكون للتمهيد لأمر النفخ في الصور وضمير الجمع على جميع ما ذكر لكفار قريش كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقيل : الضمير لليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله فألحدوا وجسموا وجاءوا بكل تخليط فنزلت
وقرأ الأعمش حق قدره بفتح الدال وقرأ الحسن وعيسى وأبو نوفل وأبو حيوة وما قدروا بتشديد الدال حق قدره بفتح الدال والأرض جمعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه الجملة في موضع الحال من الاسم الجليل و جميعا حال من المبتدا عند من يجوزه أو من قدر مقدر كأثبتها جميعا كما قيل وهو جار مجرى الحال المؤكدة في أن العامل منتزع من مضمون الجملة وفي التقريب هو حال من الضمير في قبضته لأنه بمعنى مقبوضة وكان الظاهر أن يؤخر عنه وإنما قدم عليه ليعلم أول الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة أو بعض دون بعض ولكن عن الأرضين كلها أو عن جميع أبعاضها وجاز هذا التقديم لأن المصدر لم يعمل من حيث كونه مصدرا بل لكونه بمعنى اسم المفعول وقال الحوفي : العامل في الحال ما دل عليه قبضته لا هي وهو كما ترى و يوم القيامة معمول قبضته وهي في الأصل المرة الواحدة من القبض وتطلق على المقدار المقبوض كالقبضة بضم القاف وجعلت صفة مشبهة حينئذ وجوز كل من أراده المقبوضة والمعنى المصدري هنا والكلام على الثاني على تقدير مضاف أي ذوات قبضته أي يقبضهن سبحانه قبضة واحدة وقرأ الحسن قبضته بالنصب على أنه ظرف مختص مشبه بالمبهم ولذا لم يصرح بفي معه وهو مذهب الكوفيين والبرصريون يقولون : إن النصب في مثل ذلك خطأ غير جائز وأنه لا بد من التصريح بفي