كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ورسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفصه أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم فرجف برسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر حتى قلنا ليخرن به وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يأخذ الله تعالى سماواته وأرضيه بيديه ويقول : أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها أنا الملك
وفي شرح الصحيح للإمام النووي نقلا عن المازري أن قبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط المقبوض وهو السماوات والأرضون لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة للقابض والباسط سبحانه وتعالى ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة انتهى ثم أن ظاهر بعض الأخبار يقتضي أن قبض الأرض بعد طي السماوات وأنه بيد أخرى وأخرج مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يطوي الله تعالى السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول : أين الجبارون أي المتكبرون وفي الشرح نقلا عن المازري أيضا أن إطلاق اليدين لله تعالى متأول على القدرة وكني عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وأوكد في النفوس وذكر اليمين والشمال حتى يتم التأول لأنا نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا تقوي لما تقوى له الشمال ومعلوم أن السماوات أعظم من الأرض فأضافها إلى اليمين وأضاف الأرضين إلى الشمال ليظهر التقريب في الإستعارة وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ولا أثقل من شيء انتهى والصوفية يقولون بالتجلي الصوري مع بقاء الإطلاق والتنزيه المدلول عليه بليس كمثله شيء والأمر عليه سهل جدا ثم إن التصرف في الأرض والسماوات يكون والناس على الصراط كما جاء في خبر رواه مسلم عن عائشة مرفوعا وروي أيضا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة والكلام في هذا الخبر كالكلام في نظائره وإياك من التشبيه والتجسيم وكذا من نسبة ذلك إلى السلف ولا تك كالمعتزلة في التحامل عليهم والوقيعة فيهم ويكفي دليلا على جهل المعتزلة بربهم زعمهم أنه عز و جل فوض العباد فهم يفعلون ما لا يشاء ويشاء ما لا يفعلون سبحانه وتعالى عما يشركون
67
- أي أبعد من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم أو عما يشركونه من الشركاء فسبحان للتعجب وتتعلق به عن بالتأويل بما ذكر و ما تحتمل المصدرية والموصولية ونفخ في الصور المشهور أن النافخ فيه ملك واحد وأنه إسرافيل عليه السلام بل حكي القرطبي الإجماع عليه وفي حديث أخرجه ابن ماجه والبزاز وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا أن النافخ اثنان ويدل عليه أيضا أخبار أخر منها ما أخرجه أحمد والحاكم عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : النافخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب ينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا وفي بعض الآثار ما يدل على أنه واحد وأنه شاخص ببصره أي إسرافيل عليه السلام ما طرف منذ خلقه الله تعالى ينتظر متى يشير إليه فينفخ في الصور والصور قرن عظيم فيه تقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة وأخرج أبو الشيخ