كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
في المشي وكذا قوله تعالى : يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون وقرأ زيد بن علي قياما بالنصب على أن جملة ينظرون خبرهم وقياما حال من ضمير ينظرون للفاصلة أو من المبتدأ عند من يجوز ذلك وفي البحر النصر على الحال المبتدأ الظرف الذي هو إذا الفجائية وهي حال لا بد منها إذ هي محط الفائدة إلا أن يقدر الخبر محذوفا فإذا هم مبعوثون أو موجودون قياما وإذا نصب قياما على الحال فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف إن قلنا به وإلا فالعامل هو العامل في الظرف فإن كان إذا ظرف مكان على ما يقتضيه ظاهر كلام سيبويه فتقديره فبالحضرة قياما وإن كان ظرف زمان كما ذهب إليه الرياشي فتقديره ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه هم أي وجودهم و واحتيج إلى تقدير هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة وإن كانت إذا حرفا كما زعم الكوفيون فلا بد من تقدير الخبر إلا إن اعتقدنا أن ينظرون هو الخبر ويكون عاملا في الحال انتهى ولعمري أن مذهب الكوفيين أقل تكلفا وههنا إشكال بناء على أنهم فسروا نفخة الصعق بالنفخة الأولى التي يموت بها من بقي على وجه الأرض فإنه قد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم عن أبي هريرة قال : قال رجل من اليهود بسوق المدينة : والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه قال : أتقول هذا وفينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله عليه الصلاة و السلام فقال : قال الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فأكون أول من يرفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله تعالى وهو يأبى تفسير النفخة بذلك ضرورة أن موسى عليه السلام قد مات قبل تلك النفخة بألوف سنين واحتمال أنه عليه السلام لم يمت كما قيل في الخضر وإلياس مما لا ينبغي أن يتفوه به حي ويدل كما قال بعض الأجلة : على أنها نفخة البعث
وقال القاضي عياض : يحتمل أن تكون هذه صعقة فزع بعد الكشر حين تنشق السماوات فتتوافق الآيات والأحاديث وتكون النفخات ثلاثا وهو اختيار ابن العربي ورده القرطبي بأن أخذ موسى عليه السلام بقائمة العرش إنما هو عند نفخة البعث وادعى أن الصحيح أن ليس إلا نفختان لا ثلاث ولا أربع كما قيل
ثم قال : والذي يزيح الأشكال ما قال بعض مشايخنا : إن الموت ليس بعدم محض بالنسبة للنبياء عليهم السلام والشهداء فإنهم موجودون أحياء وإن لم نراهم فإذا نفخت نفخة الصعق كل من في السماء والأرض وصعقة غير الأنبياء موت وصعقتهم غشي فإذا كانت نفخة البعث عاش من مات وأفاق من غشي عليه ولذا وقع في الصحيحين فأكون أول من يفيق انتهى ولا يخفى أنه يحتاج إلى القول بجواز استعمال المشترك في معنييه معا أو إلى ارتكاب عموم المجاز أو التزام إرادة غشي عليهم وأن موت من يموت بعد الغشي مفاد من أمر آخر فتدبر
وأشرقت الأرض أي أرض المحشر وهي الأرض المبدلة من الأرض المعروفة وفي الصحيح يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد وهي أوسع بكثير من الأرض المعروفة وفي بعض الروايات أنها يومئذ من فضة ولا يصح أي أضاءت بنورها ربها هو على ما روي عن ابن عباس نور