كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
يخلقه الله تعالى بلا واسطة أجسام مضيئة كشمس وقمر واختاره الإمام وجعل الإضافة من باب ناقة الله وعن محيي السنة تفسيره بتجلي الرب لفصل القضاء وعن الحسن والسدي تفسيره بالعدل وهو من باب الإستعارة وقد استعير لذلك وللقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل أي وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ويبسطه سبحانه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات واختار هذا الزمخشري وصحح أولا تلك الإستعارة بتكررها في القرآن العظيم وحققها ثانيا بقوله : وينادي على ذلك إضافته إلى اسمه تعالى لأنه عز و جل هو الحق العدل إشارة إلى الصارف إلى التأويل وعينها ثالثها بإضافة اسمه تعالى الرب إلى الأرض لأن العدل هو الذي يتزين به الأرض لا البرهان ورابعا بما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بالحق لأنه تفصيل العدل بالحقيقة وأيدها خامسا بالعرف العام فإن الناس يقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعد لك وأضاءت الدنيا بقسطك وسادسا بقوله صلى الله عليه و سلم : الظلم ظلمات يوم القيامة فإنه يقتضي أن يكون العدل نورا فيه وسابعا بأن فتح الآية وختمها بنفي الظلم يدل عليه ليكون من باب رد العجز على الصدر على طريقة الطرد والعكس ورجح ما اختاره الإمام بأن الأصل الحقيقة ولا صارف لأن الإصافة تصح بأدنى ملابسة وأيد ما حكى عن محي السنة ببعض الأحاديث
وتعقب ذلك صاحب الكشف فقال : إن إضافة الملابسة مجاز والترجيح لما اختاره جار الله لما ذكر من الفوائد ولأنه الشائع في استعمال القرآن ألا ترى إلى قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض وأما تجلي الرب سبحانه فسواء حمل على تجلي الجلال أو تجلي الجمل إشراق الأرض بنور إلا بأحد المعنيين أعني العدل أو عرضا يخلقه الله تعالى عند التجلي في الأرض فلو توهم من تجليه تعالى أنه ينعكس نور منه على الأرض لاستحال إلا بالتفسير المذكور قولا ثالثا لينصر ويؤيد بالحديث الذي لا يدل على أنه تفسير الآية المشتمل على حديث الرؤية والقاء ستره تعالى على العبد يذكر ما فعل به وما جني انتهى ولعل الأوفق بما يشعر به كثير من الأخبار أن قوله سبحانه : وأشرقت الأرض بنور ربها إشارة إلى تجليه عز و جل لفصل القضاء وقد يعبر عنه بالإتيان وقد صرح به في قوله تعالى : يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ولم يتأول ذلك السلف بل أثبتوه له سبحانه كالنزول على الوجه الذي أثبته عز و جل لنفسه
ولا يبعد أن يكون هذا النور هو النور الوارد في الحديث الصحيح إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور ويقال فيه كالحجاب نحو ما قال السلف في سائر المتشابهات أو هو نور آخر يظهر عند ذلك التجلي ولا أقول : هو نور منعكس من الذات المقدس انعكاس نور الشمس مثلا من الشمس بل الآمر فوق ما تنتهي إليه العقول وأنى وهيهات وكيف ومتى يتصور إلى حقيقة ذلك الوصول ويوميء إلى أن ذلك التجلي مقرون بالعدل التعبير بعنوان الربوبية مضافا إلى ضمير الأرض والله أعلم بمراده وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير وأبو الجوزاء أشرقت بالبناء للمفعول قال الزمخشري : من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به وأغتصت وأشرقها الله تعالى كما تقول : ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا وقال ابن عطية : هذا إنما يترتب من فعل يتعدى فهذا